
بين 5 أغسطس و5 سبتمبر، هل «تَشَظّى» القرارُ التاريخي لحكومةِ الرئيس نواف سلام بحصْر السلاح بيد الدولة بحلول 31 ديسمبر وتكليف الجيش وَضْع خطةٍ تنفيذية، أم أن ما خَرَجَ به مجلسُ الوزراء يوم الجمعة كان بمثابةِ «كاسحةِ الألغام» التي أتاحتْ للبنان الرسمي عبورَ «حقل الأفخاخ» السياسية - الأمنية من دون أن يَنفجر بين يديه ملف سلاح «حزب الله» وبما يَضمن بلوغ «الهدف الأمّ» وإن بـ «تعرُّجاتٍ» لغويةٍ أقرب إلى «دسّ الألغاز» بين السطور؟
هذا السؤالُ تَرَدَّدَ دَوِيُّه في العاصمة اللبنانية التي بدتْ وكأنها «بيروتان» في معرض قراءة ما صدر عن الحكومة، الجمعة، في ما خص خطة الجيش التطبيقية لقرار حصر السلاح والذي صيغ بقالَبٍ على طريقة «المعنى في قلب الشاعر» فاتحاً الباب أمام تفسيراتٍ أقرب إلى «لوحة الموناليزا»، بحيث اعتبر ثنائي «أمل» و«حزب الله» أنه «يبتسم له» بعدما اعتقد أنه أَبْرَزَ «أنيابه»، في مقابل اعتبار خصومه أن «قطار» تفكيك ترسانة الحزب انتقل إلى محطة... التنفيذ.
ومن خلف غبار التأويلاتِ لِما خلصتْ إليه الجلسة، طغتْ معطياتٌ عن أن لبنان فضّل اتباعَ إستراتيجيةِ «سَحْبِ السموم» من الخطة التطبيقية لحصر السلاح بيد الدولة التي وضعها الجيش واعتمدها مجلس الوزراء في شكلِ «ترحيبٍ» وأَخْذِ عِلْمٍ بها مع «عَطْفِها» ببُعدها الزمني على الإطارِ الناظم الذي شكّله قرارُ 5 أغسطس التاريخي، بمعنى أن الحكومة ثبّتتْ مَسارَ نزْعِ السلاح الذي يتجرّعه الثنائي الشيعي وعطّلَتْ صاعقَ التعطيل الذي حاول استخدامه لـ «وقف عقارب ساعةِ» استعادة الدولة مقوّماتها، ولكن من دون أن تتحوّلَ الجولةَ التنفيذية بمثابةِ «لدغة عقرب» قد ترتدّ على عموم الوضع الداخلي ومصير السلطة التنفيذية برمّتها.
نقاط «حمالة أوجه»
وفي المقابل، توقفتْ أوساطٌ سياسية عند مجموعةِ نقاطٍ يجري رصْدُ «وَقْعِها» الخارجي ولا سيما في واشنطن والعواصم التي يُراد أن تشكل رافعةً للوضع اللبناني بعد الحرب، كما في إسرائيل التي مازالت «على سلاحها»، وأبرز هذه النقاط «حمالة الأوجه»:
- عدم تحديد جدول زمني لتطبيق قرار حصر السلاح، واعتماد نهاية السنة، وإن من دون إعلان رسمي، موعداً لإنهاء المرحلة الأولى من الخطة التي قدّمها قائد الجيش العماد رودولف هيكل، والمحددة جغرافياً بجنوب الليطاني وإكمال ما بدأ في هذه البعقة منذ نحو 9 أشهر، وترْك المراحل اللاحقة برسم تقارير شهرية تقدّمها المؤسسة العسكرية حول مسار التنفيذ ومعوقاته.
ويُذكر أن الخطة تضمّنتْ مرحلةً ثانيةً تشمل المنطقة الواقعة بين نهريْ الليطاني والأولي، ثم بيروت وضواحيها ومحيطها، ورابعة في البقاع، على أن تكون الخامسة لحصر السلاح بيد الدولة على عموم الأراضي اللبنانية.
- ربط ما سيقوم به الجيش اللبناني واستكماله بالتجاوب الإسرائيلي مع مندرجات اتفاق وقف الأعمال العدائية (27 نوفمبر) وورقة الموفد الأميركي توماس براك «الملبننة»، مع تذكير بأن «في مقدّمة أهداف الورقة التي أقرتها الحكومة وقف الخروق البرية والجوية والبحرية» وفق مبدئين أساسيين، «تلازم وتزامن الخطوات من جميع الأطراف، وأن نفاذها مشروط بموافقة كلٍّ من لبنان وإسرائيل وسورية على الالتزامات الخاصة بكل منها»، وتأكيد أن «أيّ تقدم نحو تنفيذ ما ورد في الورقة يبقى مرهوناً بالتزام الأطراف الأخرى، وفي مقدمتها إسرائيل، كما نصّت الفقرة الختامية للورقة ذاتها».
- «إحياء» لبنان الرسمي عنوان «إعداد إستراتيجية أمن وطني» واضعاً ذلك «في سياق تحقيق مبدأ بسط سيطرة الدولة اللبنانية على كامل أراضيها وحصرية السلاح بيد الدولة» مع تأكيد حق «لبنان بالدفاع عن النفس وفقاً لميثاق الأمم المتحدة»، وهو ما اعتبره «حزب الله» ينسجم مع مطلبه برهْن تسليم سلاحه بوضع إستراتيجية دفاعية بعد حوار داخلي، مع تفسير «الدفاع عن النفس» على أنه إقرار «بحق المقاومة».
- كلام وزير الإعلام بول مرقص عن أن «الجيش سيباشر تنفيذ الخطة، انما وفق الإمكانات المتاحة وهي محدودة لوجستياً ومادياً وبشرياً» وأن قائد الجيش «عرض ما اسماه التقييدات المتعلقة بتنفيذ هذه الخطة، والمتعلقة بالجيش وأيضاً بتسهيل وتيسير تنفيذ الخطة، وأولها يكون وقف الاعتداءات الإسرائيلية التي تعوق التنفيذ»، وإن مع تشديد على أن الجيش «سيتحرك في الاطار المقرر له في جلسة 5 أغسطس، انما له التقدير العملاني، كما ان الخطة تتطلب وقتاً أو جهوداً إضافية في بعض الأحيان لتذليل بعض التقييدات».
«تلاعب على الكلام»
وفي الوقت الذي قلّلت مصادر سياسية مما وصفتْه بأنه «تلاعب على الكلام» لزوم التقليل من منسوب «الاستفزاز» للثنائي الشيعي الذي انسحب وزراؤه من الجلسة قبيل بدء مناقشة خطة الجيش مع التلويح باستخدام ورقة الاستقالة، في ما بدا «غطاء نارياً» لما تم التفاهم عليه مسبقاً مع الرئيس نبيه بري لتبريد الأجواء، اعتبرت أن الخطة التي أبقيت سرية تنصّ على تعزيز الانتشار العسكري والحواجز في مناطق عديدة لمنع أي نقل للأسلحة أو تهريبها، ولضبط الحدود اللبنانية ـ السورية، وإغلاق المعابر غير الشرعية إضافةً إلى استكمال إجراءات سحب السلاح من مخيّمات اللاجئين الفلسطينيين.
وإذ لم يقلّ التباساً استمرارُ الغموض حيال الفصل الذي سبق لرئيس الحكومة أن قام به بين الورقة الأميركية وبين مَسار حصر السلاح وفق اتفاق الطائف والبيان الوزاري وخطاب القسم واتفاق 27 نوفمبر والقرار 1701، وهل مبدأ التلازم في الخطوات يسْري على المساريْن معاً، كان لافتاً أن الرئيس بري سارع إلى الترحيب «بترحيب الحكومة بخطة الجيش»، معلناً عبر «الشرق الأوسط» أن «الرياح السامة بدأت تنجلي وما حصل يحفظ السلم الأهلي»، في مقابل تأكيد الرئيس نواف سلام «أن مقررات المجلس واضحة ولا تحتمل تأويلات»، جازماً «أن لا عودة إلى الوراء في موضوع حصرية السلاح، وأن الحكومة ماضية في عملية بسط سلطة الدولة بقواها الذاتية، وفقاً لمقررات جلسة الخامس من أغسطس الماضي».
ولم يقل دلالة كلام نائب رئيس المجلس السياسي في «حزب الله» محمود قماطي، عن أن الحزب يُرحّب «بإعلان الحكومة رهن التقدم بالورقة الأميركية بخطوات إسرائيل»، معتبراً «أن بيان الحكومة فرصة للعودة إلى العقل والحكمة ولمنع انزلاق لبنان نحو المجهول».
وإذ كرر رفض الحزب لتسليم السلاح «ونتوقع من الحكومة إستراتيجية أمن وطني»، قال إن «إعلان الحكومة أن أي تقدم في تطبيق مندرجات الورقة الأميركية مرهون بالتزام إسرائيل يعني أن التطبيق مجمد حتى إشعار آخر».
عون وكوبر
وعشية وصول الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس إلى بيروت اليوم، ليتبيّن موقف واشنطن من قرارِ الحكومة في ما خص المسار التطبيقي لحصر السلاح، سبقها قائد المنطقة الوسطى في الجيش الأميركي الاميرال براد كوبر الذي استقبله رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون.
وقد دعا عون الولايات المتحدة «إلى الضغط على إسرائيل للانسحاب من الأراضي التي تحتلها في الجنوب، ليتمكن الجيش من استكمال انتشاره حتى الحدود الدولية».
وطلب من كوبر «تفعيل عمل لجنة الاشراف على وقف الأعمال العدائية (MECHANISM) لتأمين تنفيذ ما تم الاتفاق عليه في نوفمبر الماضي لجهة وقف الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان، والانسحاب من التلال والأراضي التي تحتلها، وإعادة الأسرى بحيث يتم تطبيق القرار 1701 بكل مندرجاته، خصوصاً ان هذه الخطوات تساعد في تنفيذ القرار الذي اتخذته الحكومة لجهة حصر السلاح في أيدي القوات المسلحة اللبنانية، لاسيما وأن مجلس الوزراء رحّب بالخطة العسكرية التي وضعتها قيادة الجيش لهذه الغاية».
ولفت عون خلال الاجتماع الذي حضره أيضاً رئيس لجنة (MECHANISM) الجنرال مايكل ليني، الى «ان استمرار الاعتداءات الإسرائيلية على الجنوب، من شأنه ان يعرقل استكمال انتشار الجيش اللبناني حتى الحدود، بعدما أنجز التمركز في أكثر من 85 في المئة من المنطقة الواقعة جنوب الليطاني، ويواصل عمله في منع المظاهر المسلحة ومصادرة الأسلحة والذخائر في ظروف جغرافية وعملانية صعبة، ما أدى حتى الآن الى استشهاد 12 ضابطاً وعسكرياً خلال نقل الذخائر او تفكيك الألغام وغيرها... كذلك، بدأ الجيش في تسلّم السلاح الفلسطيني من عدد من المخيمات الفلسطينية بموجب الاتفاق الذي تم خلال زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس الى لبنان».
وأكد عون للاميرال كوبر «أهمية استمرار الولايات المتحدة في دعم الجيش اللبناني وتوفير التجهيزات والآليات اللازمة له لتمكينه من القيام بالمهام الموكلة إليه على طول الأراضي اللبنانية، سواء في حفظ الأمن أو منع التهريب والأعمال الإرهابية وضبط الحدود اللبنانية - السورية».
وتمنى عون «للاميرال كوبر التوفيق في مهمته الجديدة»، داعياً إياه الى «إيلاء الوضع في لبنان الأهمية اللازمة لأن استقراره عامل أساسي لتحقيق الاستقرار في دول المنطقة».
وكان كوبر أعرب في بداية اللقاء عن سعادته لوجوده في لبنان، منوّهاً بالعمل المميز الذي يقوم به الجيش اللبناني المنتشر في الجنوب وفي الأراضي اللبنانية كافة، مؤكداً «استمرار الولايات المتحدة في تقديم المساعدات اللازمة في مختلف المجالات لاسيما دعم الجيش بالعتاد والتدريب، بالتنسيق بين الإدارة الأميركية والكونغرس».
وأشار إلى أن اللجنة ستعقد اجتماعاً اليوم للبحث في الوضع القائم في الجنوب والعمل على تثبيت الاستقرار فيه من خلال استكمال تنفيذ مضمون اتفاق نوفمبر الماضي.
وسام أبوحرفوش وليندا عازار - الراي
The post الحكومة قرّرت ولم تقرّ... appeared first on LebanonFiles.
للمزيد من التفاصيل: إضغط هنا