زلزال الحوز.. كارثة طبيعية تضرر منها نحو 2.8 مليون مغربي

زلزال الحوز هو زلزال قوي ضرب يوم 8 سبتمبر/أيلول 2023 مناطق في جنوب وجنوب شرق المغرب، وامتدت هزاته إلى غرب وشمال غرب البلاد. بلغت قوته 6.8 درجات على مقياس ريختر، وكان مركزه في منطقة إيغيل على بُعد حوالي 75 كيلومترا جنوب غرب مدينة مراكش.
خلف الزلزال نحو 2940 قتيلا ونحو 6 آلاف جريح، في حين تضرر منه بشكل مباشر أو غير مباشر نحو مليونين و800 ألف شخص، بينهم 100 ألف طفل، وقدرت خسائره بحوالي 7 مليارات دولار أميركي، وأعلنت الدولة لتجاوز آثاره برنامجا لإعادة الإعمار وتأهيل المناطق المتضررة بموازنة كبيرة قاربت 8.5% من الناتج المحلي الإجمالي للمغرب.
تصنفه بعض التقديرات بأنه الأقوى في المغرب منذ الزلزال الذي ضرب مدينة أغادير (جنوب) عام 1960، وخلّف نحو 15 ألف قتيل، كما صنف البعض زلزال الحوز بأنه أكبر زلزال يضرب المنطقة منذ أكثر من 100 عام من تاريخ وقوعه، وبأنه ثاني أكثر الزلازل دموية في العالم عام 2023 بعد زلزال كهرمان مرعش، الذي ضرب تركيا وسوريا.
التسمية
سمي بـ"زلزال الحوز" نسبة إلى إقليم الحوز، الذي كانت فيه بؤرة الزلزال ومركزه، إذ وقع في قرية إيغيل على بعد 75 كيلومترا من مدينة مراكش.
ويضم الإقليم نحو 40 مدينة وبلدة في جنوب غربي المغرب، ويمتاز بطابعه الجبلي والقروي، ويعتمد سكانه البالغ عددهم نحو 600 ألف نسمة على أنشطة اقتصادية متنوعة، أبرزها الزراعة والصناعة التقليدية والسياحة.
وتبلغ مساحة إقليم الحوز نحو 6200 كيلومتر مربع، وأغلب أراضيه مناطق جبلية وقروية، وأبرز مدنه وبلداته: أيت أورير ومولاي إبراهيم وأسني وأمزميز وتحناوت وتمصلوحت وتمكروت وتيدلي.
يحده من الغرب إقليم شيشاوة ومن الجنوب إقليم تارودانت ومن الشرق إقليم ورزازات ومن الشمال إقليم قلعة السراغنة، وتغلب الجبال على تضاريسه، إذ تشكل تقريبا 3 أرباع مساحته، وفيه توجد أعلى قمة جبلية في المغرب، وهي جبل توبقال، الذي يبلغ ارتفاعه 4165 مترا فوق سطح البحر.
تشخيص جيولوجي
وقع الزلزال في الساعة 11:11 مساء بالتوقيت المحلي (10:11 مساء بالتوقيت العالمي) من يوم الجمعة 8 سبتمبر/أيلول 2023، وامتدت آثاره إلى مناطق إقليم الحوز ومراكش وأقاليم شيشاوة (جنوب غرب) وأزيلال (وسط) وتارودانت (جنوب) وورزازات (جنوب شرق)، ووصلت هزاته إلى مناطق أخرى في المغرب.
إعلانبلغت قوة الزلزال 6.8 درجات على مقياس ريختر وفقا للمعهد الجيوفيزيائي الأميركي، و7 درجات حسب المركز الوطني للبحث العلمي والتقني في المغرب.
حُدد مركز الزلزال في جبال الأطلس الكبير على عمق يتراوح بين 20 كيلومترا إلى 25 كيلومترا بالقرب من قرية إيغيل.
وأوضحت تحليلات المعهد الأميركي أن الزلزال ناتج عن انزلاق في صدع مائل عكسي في جبال الأطلس، إذ كان عمق الصدع أكبر من المعتاد في المنطقة، ويقدر الباحثون أن التمزق وقع على عمق حوالي 25 كيلومترا تحت سطح الأرض.
ويعتبر مختصون أن هذا الزلزال هو أكبر حدث زلزالي يتم تسجيله في جبال الأطلس باستخدام القياسات الجيوديسية الحديثة، وعادة ما تشهد المنطقة نشاطا زلزاليا منخفضا.
ومن 1900 إلى تاريخ وقوع زلزال الحوز سجلت المنطقة 9 هزات زلزالية، أكبرها كانت على بعد 500 كيلومتر من قرية إيغيل، وكانت قوتها 6 درجات على مقياس ريختر.
وفي 3 سبتمبر/أيلول 2025، ضربت مدينة أمزميز في إقليم الحوز هزة جديدة بقوة 4.5 درجات، وهو ما أكد استمرار النشاط الزلزالي في المنطقة.
الخسائر والضحايا
خلف زلزال الحوز 2946 قتيلا و5674 جريحا، ووفقا للتقارير الرسمية، فقد سقط الجزء الأكبر من القتلى في إقليم الحوز (1684 حالة وفاة) ثم إقليم تارودانت (980 حالة وفاة)، في حين كان عدد القتلى في شيشاوة أقل (202 حالة) وفي ورزازات 38 وفي مراكش 18 وفي أزيلال 11.
وكشفت المندوبية السامية للتخطيط، وهي الهيئة الرسمية المكلفة بالإحصاءات في المغرب، أن 53.9% من الضحايا نساء، في حين مثّلت الفئة العمرية فوق 65 عاما 32.7% من إجمالي الضحايا.
وإضافة إلى ذلك تبين أن 65.5% من الضحايا ينتمون إلى المناطق القروية، مما يعكس حجم التأثير على هذه المناطق النائية.
وتتميز منطقة الزلزال بتضاريس جبلية شاقة، وتمتد على مساحة إجمالية قدرها 53 ألفا و135 كيلومترا مربعا، وتشكل الجبال في منطقة الحوز نحو أرباع المساحة الإجمالية للإقليم.
ويضطر سكان المنطقة إلى قطع مسافات يبلغ متوسطها 5.9 كيلومترات للوصول إلى أقرب طريق معبدة، مما يتجاوز المتوسط الوطني الذي يبلغ حوالي 3 كيلومترات.
وأثناء الزلزال انهارت آلاف المباني بسبب ضعف بنيتها، خصوصا المنازل الطينية والحجرية ذات الأسقف الترابية. وأظهر تقرير ميداني أعده فريق دولي من خبراء الهندسة الزلزالية ضعفا كبيرا في البنية الإنشائية للعديد من المباني التقليدية والحديثة المعدلة في المناطق المتضررة، خصوصا في المناطق الريفية والمراكز الجبلية.
وأظهرت الإحصاءات أن:
- %66 من المساكن في المنطقة تضررت وتؤوي حوالي 2.8 مليون نسمة.
- 163 بلدية (تمثل 68% من إجمالي البلديات) تأثرت بالزلزال.
- تضرر 2930 مسكنا ريفيا بنسبة 35%، بينما دُمر 59 ألفا و674 مبنى، 32% منها تدميرا كليا و68% جزئيا.
- أما في المدن الرئيسية فقد تضررت 13 بلدية في مراكش بنسبة 68%، بينما تضررت بلديات إقليم الحوز بنسبة 100% (40 بلدية).
- وفي إقليم شيشاوة تضررت 32 بلدية بنسبة 91%، بينما تضررت 57 بلدية في إقليم تارودانت بنسبة 64%، وفي إقليم ورزازات تضررت جميع البلديات (17 بلدية) بنسبة 100% وفي إقليم أزيلال كانت نسبة التضرر 23%.
وأظهرت البيانات أن معظم الأسر المتضررة تعيش في المناطق الريفية، وجاءت نسب الأسر المتضررة حسب الأقاليم كالتالي:
- الحوز 58.9%.
- شيشاوة 73.5%.
- ورزازات 46.9%.
- أزيلال 67.9%.
التأثير الاقتصادي للزلزال
وفقا لدراسة أنجزها "مركز السياسات من أجل الجنوب" بعنوان "تقييم الآثار الاقتصادية لزلزال الحوز: الأضرار وإستراتيجية التعافي"، بلغت الخسائر الاقتصادية حوالي 0.24% من الناتج المحلي الإجمالي للمغرب في عام 2023، أي ما يعادل نحو 3 مليارات درهم (أكثر من 330 مليون دولار).
سجل إقليم الحوز 53% من إجمالي الخسائر الاقتصادية بين المناطق الست الأكثر تأثرا، مع خسائر تقدر بحوالي 1.2 مليار درهم (الدولار يعادل تقريبا 9 دراهم)، وتلاه إقليم تارودانت بخسائر تقدر بـ739 مليون درهم، في حين تكبدت أقاليم شيشاوة ومراكش وورزازات وأزيلال مجتمعة خسارة تقدر بحوالي 305 ملايين درهم.
ووفقا لتحليل الهيئة الرسمية المكلفة بالإحصاء، فاقم الزلزال الفوارق الاجتماعية والاقتصادية في المناطق المتضررة، إذ يصل معدل الفقر النقدي في هذه المناطق إلى 8%، وهو ما يقارب ضعف المعدل الوطني الذي يبلغ 4.8%.
كما سجل معدل الفقر متعدد الأبعاد (الذي يشمل الصحة والتعليم ومستوى المعيشة والإقصاء الاجتماعي) 18.5%، وهو ضعف المعدل الوطني البالغ 8.2%.
أما معدل الهشاشة الاقتصادية، الذي يقيس استعداد الأفراد للوقوع في الفقر في حالة حدوث صدمات اجتماعية أو اقتصادية مثل الكوارث، فقد بلغ 21.5%، متجاوزا بشكل كبير المعدل الوطني البالغ 12.6%.
وزاد من حدة الأزمة أن منطقة الحوز واحدة من أقل المناطق تنمية في المغرب، وتحتل المركز 30 من أصل 75 بلدية في البلاد من حيث الفقر النقدي، بمعدل يصل إلى 5.5%، وهو أعلى قليلا من المعدل الوطني البالغ 4.8%.
وتشير البيانات أيضا إلى أن المناطق الريفية في الحوز تعاني من معدل فقر نقدي أعلى يصل إلى 6.2%، وهو ما يعني أن حوالي نصف سكان المناطق المتضررة في الحوز يعانون من فقر يفوق المتوسط الوطني.
خطة الإغاثة وإعادة الإعمار
فور وقوع الزلزال أعلن الديوان الملكي المغربي الحداد 3 أيام، وشكلت الحكومة لجنة وزارية مهمتها إعداد برنامج شامل لإعادة تأهيل وإعمار المنازل والمرافق المتضررة.
وفي 9 سبتمبر/أيلول 2023 ترأس الملك محمد السادس الجلسة الأولى للعمل، وأصدر تعليماته بفتح حساب خاص لإدارة آثار الزلزال، ويوم 10 سبتمبر/أيلول، تمت الموافقة على إنشاء "الصندوق الخاص بتدبير الآثار المترتبة على الزلزال".
وقد سجلت المساهمات التضامنية والتبرعات الطوعية لصالح هذا الصندوق مبلغا إجماليا بلغ حوالي 19 مليار درهم (1.9 مليار دولار أميركي).
في 20 سبتمبر/أيلول أعلنت الدولة عن إنشاء وكالة مختصة لضمان تنفيذ برنامج إعادة الإعمار، وحددت ميزانية لهذا البرنامج تقدر بـ120 مليار درهم (ما يعادل 11.7 مليار دولار أميركي) على مدى 5 سنوات (2023-2028).
وتوزعت خطة إعادة الإعمار إلى شقين رئيسيين:
- الأول تقدر موازنته بمبلغ 22 مليار درهم (2.2 مليار دولار أميركي)، يهدف إلى تقديم مساعدات طارئة للأسر المتضررة، بما في ذلك مساعدات مالية للسكن في حدود 8 مليارات درهم (800 مليون دولار أميركي)، إضافة إلى إعادة إيواء 4.2 ملايين نسمة عبر بناء وتحسين البنية التحتية في الفترة ما بين 2023 و2027.
- الثاني رصد له مبلغ 98 مليار درهم (9.8 مليارات دولار أميركي) لتحسين شبكات البنية التحتية في المناطق المتضررة، عبر قروض أو سياسات دعم عامة لتحسين ظروف الحياة في مناطق الأطلس الكبير.
يتضمن البرنامج أيضا إعادة بناء وتأهيل 20 ألف مسكن دُمرت كلها، وإعادة تأهيل 40 ألف مسكن تعرضت لأضرار جزئية، وإعادة تأهيل 600 مؤسسة تعليمية و42 مركزا صحيا ذا أولوية.
إعلانوفي خطوة إضافية اعتمدت الحكومة مشروع قانون رقم 50/23، ويمنح الأطفال الذين فقدوا ذويهم في الزلزال صفة "مكفولي الأمة"، بهدف التكفل بهم بشكل فوري وتوفير الدعم اللازم لهم.
انتقادات واتهامات بالتقصير
تأسست في المنطقة جمعيات وهيئات للدفاع عن حقوق المتضررين من الزلزال، أبرزها "الائتلاف المدني من أجل الجبل" و"التنسيقية الوطنية لضحايا زلزال الحوز". وتنتقد الجمعيتان ما تعتبرانه "غياب العدالة والشفافية في تدبير هذا الملف الإنساني الوطني".
وقالت الهيئتان -في بيان مشترك نهاية يوليو/تموز 2025- إن "المعاناة القاسية التي تعيشها آلاف الأسر المتضررة لا تزال مستمرة حتى بعد مرور سنتين على الكارثة".
وشككت هذه الهيئات في الأرقام التي أعلنتها الحكومة بشأن حجم إعادة الإعمار ومعالجة آثار الكارثة، واعتبرتها أرقاما "غير دقيقة، وبعضها غير صحيح"، كما أكدت أن "عملية التعويض والدعم شابتها خروقات وتجاوزات تسببت في إقصاء عدد كبير من المتضررين".
وقال البيان "إذا كان الزلزال قدرا طبيعيا، فإن استمرار الألم هو نتيجة سوء التدبير، وعدم الجدية في المعالجة، وأدهى من ذلك فإن اللجوء للتعتيم والنفخ في الأرقام، وغياب الإنصاف هو فاجعة من صنع البشر".
ولخص البيان استمرار معاناة المتضررين في المظاهر التالية:
- استمرار مئات الأسر في العيش داخل خيام مهترئة تفتقر لأبسط مقومات الكرامة والعيش الآدمي.
- تضارب كبير في الأرقام الرسمية بشأن أعداد المستفيدين من الدعم المالي وعدد المنازل التي أعيد بناؤها.
- إقصاء غير مبرر لآلاف الأسر، في ظل خروقات في عمليات الإحصاء والتوزيع، وشبهات بتورط بعض أعوان السلطة في التلاعب في عمليات الإحصاء، إذ إن "عددا كبيرا من الأسر المتضررة كليا استفادت فقط من دعم جزئي (80 ألف درهم) رغم فقدانها مساكنها كلها"، كما تم "حرمان آخرين من أي دعم يذكر"، حسب تعبير البيان.
وطالبت التنسيقية الوطنية لضحايا زلزال الحوز -في رسالة إلى وزير الداخلية المغربي عبد الوافي لفتيت أواخر يونيو/حزيران 2025- بـ"إحداث لجان مركزية مستقلة لإعادة تقييم الأضرار، بعيدا عن منطق المحسوبية، وضمان تعويض كل من تضرر فعلا، دون تمييز أو تهميش".