
في اللحظة اللبنانية الأكثر حساسية منذ "نهاية" الحرب، تبرز قضية "حصر السلاح بيد الدولة"، كعنوان مركزي يعيد خلط الأوراق الداخلية ويكشف عن التصدعات العميقة في البنية السياسية والطائفية للنظام اللبناني. لكن خلف هذا العنوان "تتوارى" أسئلة أكثر تعقيدًا، أبرزها: هل يعاد رسم توازنات لبنان الطائفية والسياسية من بوابة "السلاح"؟ وهل يدفع المسيحيون مجددًا ثمن إعادة تشكيل السلطة على أنقاض اتفاق الطائف؟
أسئلة يعود مبرر وجودها، الى ان السلاح في لبنان ليس مجرد قضية أمنية، بل هو في صلب المعادلة السياسية التي نشأت بعد طائف 1990، وتكرّست بعد انسحاب 2005 السوري، وتعمّقت بعد حرب 2006 ودخول حزب الله بثقله في السياسة الداخلية والتحالفات الإقليمية، اللحظة، التي باتت فيها علاقة المسيحيين مع هذا السلاح شائكة: فمن جهة هناك قوى مسيحية تعتبره مغايراً لمنطق الدولة، ومن جهة أخرى، هناك من رأى فيه شريكًا في تثبيت دور مكوّن مسيحي تم تهميشه لعقود.
من عمق هذه المحطات، تطرح اليوم، مرة جديدة، أسئلة استراتيجية أعمق، لا تتعلق فقط بمصير حصرية السلاح، بل بواقع التوازنات الطائفية والسياسية في البلاد. وفي القلب من هذه المعادلة، يطرح سؤال بالغ الحساسية: هل يعيد مسار حصر السلاح رسم الدور المسيحي في لبنان؟ هل سيكون المسيحيون في عداد الرابحين، أم أنهم قد يدفعون الثمن في حال فُككت معادلات الردع الداخلي من دون ضمانات تحفظ التوازن السياسي والدستوري؟
مصدر مسيحي غير مدني، يرى، في معرض مقاربته للاوضاع الحالية، ان اتفاق الطائف، شكل معادلة قامت على "توازن الضعف" بين الطوائف كأحد أبرز الأسس الضمنية للاستقرار، خرج عنها سلاح حزب الله كاستثناء أمني - دستوري، تحت عنوان المقاومة، قبل ان يتحول إلى عنصر فاعل في المعادلة الداخلية، فرض في أكثر من مرحلة ايقاعه وأجندته على الواقع الداخلي، نتيجة تقاطعات دولية واقليمية.
ويتابع المصدر، اليوم، مع عرض الجيش لخطته حول حصر السلاح بيد الدولة، وفقا للاخراج الذي تم حكوميا نتيجة اتفاق "الترويكا"، تطرح مخاوف جدية في الشارع المسيحي، ترتبط بإعادة رسم موازين القوى السياسية والطائفية، في غياب خطة وطنية شاملة تضمن أن لا يتحوّل مسألة نزع السلاح إلى مقدمة لخلل أوسع، ذلك أن الحضور المسيحي في الدولة يستند، إلى حدّ ما، إلى توازنات داخلية دقيقة، تخشى "الكنيسة" انهيارها، إذا ما فُرغت الساحة من السلاح من دون إعادة صياغة عقد وطني جديد.
من هنا، والكلام للمصدر، ثمة اتجاهان داخل الشارع والنخب المسيحية في التعامل مع هذا التطور:
"ـ اتجاه 14 آذاري"، يرى أن حصر السلاح بالدولة هو الطريق الطبيعي لبناء دولة قوية تحمي جميع مكوناتها، بمن فيهم المسيحيون، ويعوّل على الدعم الدولي لحماية هذا المسار وضمان التوازنات.
"اتجاه واقعي"، يعتبر أن حصر السلاح دون إصلاحات سياسية ودستورية موازية قد يفتح الباب أمام تهميش الدور المسيحي داخل مؤسسات الدولة، ويفتح شهية قوى داخلية وخارجية لإعادة هيكلة النظام على أسس عددية لا تضمن الشراكة الفعلية.
عليه، يشير المصدر، الى انه في حال فشلت الدولة في تقديم ضمانات جدية لكل الأطراف بعد نزع السلاح، قد ترتفع مجددًا أصوات تطالب بالفيدرالية أو اللامركزية الموسعة، لا من باب الانفصال، بل لحماية دور الطوائف وصون ما تبقى من خصوصية وهوية في ظل شعور بالخوف من الانكشاف السياسي والأمني، وهو ما بدأ في طبيعة الحال، في سوريا، معززا بكلام متكرر للموفد الاميركي توم براك، يصب في هذا الاتجاه.
وختم المصدر، بالتاكيد، ان مشروع حصر السلاح بيد الدولة هو في جوهره ضرورة وطنية لبناء دولة قانون ومؤسسات، لكن نجاحه في المقابل، لن يكون بفرضه قسريًا أو تحت ضغط الشارع، بل ببنائه على أسس سياسية متينة تضمن الشراكة الفعلية وتحمي التوازنات الطائفية، وفي طليعتها الدور المسيحي. فلبنان ليس مجرد ساحة لنزع السلاح، بل وطن تتقاطع فيه الهويات والمصالح، وأي خطوة إصلاحية لا تراعي هذا الواقع المعقد، قد تنتج أزمات أكبر من التي تسعى إلى حلها.
للمزيد من التفاصيل: إضغط هنا