تعرف على معالم خطة زيادة الرواتب في سوريا

شهدت سوريا في السنوات الأخيرة ضغوطا اقتصادية غير مسبوقة نتيجة الحرب والعقوبات المستمرة، إضافة إلى التضخم المتواصل وانخفاض قيمة الليرة.
وانعكست هذه العوامل مباشرة على حياة المواطنين، خصوصا موظفي القطاع العام الذين يعتمدون على رواتب ثابتة لم تعد تتناسب مع تكاليف المعيشة المتصاعدة.
ولتجاوز هذا الوضع أعلنت الحكومة السورية خطة لزيادة الرواتب على 3 مراحل، ولا تقتصر هذه الخطة على رفع الأجور رقميا، بل تتضمن إصلاحات أوسع في قانون الخدمة المدنية، وسط جدل بين الخطاب الرسمي الذي يؤكد الاعتماد على موارد ذاتية، والواقع المعيشي الذي يطرح أسئلة حول جدوى هذه الإجراءات.

زيادات شاملة وفائض مالي
وأوضح وزير المالية السوري الدكتور محمد يسر برنية في حديثه للجزيرة نت أن المرحلة الأولى تضمنت رفع الرواتب بنسبة 200%.
وهذه الخطوة -بحسب قوله- حسّنت القوة الشرائية لموظفي القطاع العام بمعدل يتراوح بين 3 و4 أضعاف، مستفيدة من تحسن سعر الصرف وإضافة التعويضات.
وأكد الوزير أن الأشهر الثمانية الأولى من العام حققت فائضا ماليا مكّن الحكومة من تغطية هذه الزيادات، رغم التوقعات بوجود عجز مالي "قابل للتمويل" مع نهاية العام، وأوضح أن هذه الزيادات تمت من موارد داخلية دون الحاجة إلى اقتراض أو مساعدات خارجية.
وفيما يخص الموازنة، أشار برنية إلى أن الإجراءات لم تؤد إلى اختلالات كبيرة بفضل تحسين الإيرادات الجمركية والضريبية، لافتا إلى أن حصيلة الرسوم الجمركية في شهر واحد باتت تعادل ما كان يُجبى خلال سنة ونصف في النظام السابق، وذلك نتيجة مكافحة الفساد وتعزيز الإدارة.
وأضاف أن الحكومة قلصت الإنفاق الاستثماري بشكل مؤقت لتجنب الاستدانة، لكنها استمرت في تخصيص مبالغ لدعم مشاريع خدمية في المحافظات مثل درعا ودير الزور.

المرحلة الثانية والثالثة من زيادة الأجور
وأشار الوزير إلى أن المرحلة الثانية من الخطة، المقررة للعام القادم، ستشمل زيادات نوعية تستهدف قطاعات محددة مثل القضاء والتعليم والصحة والرقابة والأمن والدفاع.
إعلانويستند هذا الاستهداف إلى معايير تتعلق بالأولوية الإستراتيجية والحاجة إلى رفع الرواتب بما يتناسب مع القيمة السوقية وتحسين الكفاءة.
وبحسب الوزير، فقد ارتفعت رواتب القضاة بنسب كبيرة وصلت في بعض الوظائف إلى 10 أضعاف، في حين ستشهد رواتب المعلمين والأطباء زيادات إضافية خلال الفترة المقبلة.
أما المرحلة الثالثة فتتضمن إصلاحات جذرية في قانون الخدمة المدنية، تشمل إلغاء نظام العاملين الموحد ووضع هياكل رواتب مرنة تراعي خصوصية كل وزارة.
ووفق برنية، ستضع المؤسسات "سلال رواتب" تعكس القيمة السوقية للعمل وتسد الفجوات بين المناطق والقطاعات. كما ستتضمن الخطة تحسين رواتب المتقاعدين وتطوير نظام للتأمين الصحي خلال أسابيع، في محاولة لتعزيز رفاهية الموظفين والحد من الفساد عبر أجور عادلة.
التضخم وضغوط الموازنة
وشدد الوزير على أن استدامة هذه الزيادات ستعتمد على الموارد الذاتية عبر تحسين الإيرادات ومكافحة الفساد، إلى جانب مراقبة الأسعار لمنع التضخم.
وأكد أن زيادة الرواتب الأخيرة لم تؤد إلى ارتفاع كبير في الأسعار بفضل تحسن الإنتاجية وعودة بعض المصانع إلى العمل.

كما تحدث عن إصلاحات إضافية تتعلق بتبسيط النظام الضريبي وتطوير برامج مكافحة الفقر، من بينها إنشاء صندوق وطني للزكاة وإعادة توجيه الإيرادات الضريبية لدعم محدودي الدخل، في محاولة لتعزيز القوة الشرائية والتخفيف من الضغوط التضخمية.
لكن الباحث الاقتصادي عبد العظيم المغربل رأى أن الزيادة في الأجور ظلت شكلية إلى حد كبير، وقال: صحيح أن الأجر الاسمي ارتفع، لكنه لم ينعكس بالكامل على الأجر الفعلي بسبب استمرار التضخم وتراجع قيمة الليرة أمام العملات الأجنبية.
وأكد أن المرحلة الثانية من الخطة ستكون أكثر تعقيدا إذا لم ترافقها زيادة في الإنتاجية، محذرا من أن استهداف قطاعات محددة قد يثير مطالب مماثلة من قطاعات أخرى، ما يضغط أكثر على الموازنة العامة.
وشدد المغربل على أن إصلاح قانون الخدمة المدنية يمثل فرصة لإصلاح هيكلي حقيقي، لكنه يتطلب ربط الأجور بالأداء وتبسيط الأنظمة الوظيفية وتوحيدها لضمان العدالة والاستقرار.
وحذر من أن تمويل الزيادات عبر طباعة النقود قد يؤدي إلى عجز متزايد، مقترحا بدائل مثل تقديم دعم مباشر للفئات الأضعف، وتوسيع قاعدة الإيرادات الضريبية، وتقليص الهدر والفساد.

بين الزيادة والواقع المعيشي
إلى جانب الأرقام والتحليلات، يبقى الواقع اليومي للمواطنين هو الاختبار الأهم للخطة الحكومية. وتحدث باسم كامل، موظف حكومي يبلغ من العمر 45 عاما ويعمل في مديرية التربية، عن أثر الزيادة الأخيرة على حياته.
وأوضح في حديث للجزيرة نت أن راتبه الشهري بعد الزيادة بلغ نحو 900 ألف ليرة سورية (ما يعادل تقريبا 70 دولارا)، لكنه لا يكفي لتغطية كامل المصاريف الشهرية، التي تتجاوز 2.5 مليون ليرة (ما يقارب 193 دولارا)، بين إيجار وفواتير ومواد غذائية.
وأكد أن الزيادة ساعدت في تخفيف جزء من الأعباء، لكنها لم تحل المشكلة الأساسية المتمثلة في الغلاء المستمر.
إعلانوأشار كامل إلى أن الموظفين يعوّلون على المراحل المقبلة، خاصة ما يتعلق بالتأمين الصحي وزيادة مخصصات التعليم، لتحقيق فارق ملموس في حياتهم اليومية.