Skip to main content

حرب إسرائيل على المنطقة: ضربُ الجغرافيا والممرّات والمكوّنات

10 أيلول 2025

إنها الحرب الإسرائيلية على المنطقة كلها. خلال أربع وعشرين ساعة، اختارت تل أبيب الاعتداء على خمس دول عربية. في تطور خطير، استهدفت العاصمة القطرية، الدوحة، بعد أن كانت قد استهدفت قافلة الأسطول البحري قبالة شواطئ تونس، كما نفذت عمليات في لبنان وسوريا، إلى جانب جرائمها المتواصلة في فلسطين بين غزة والضفة الغربية. خمس دول عربية تتعرض لاعتداءات إسرائيلية مباشرة، لكنَّ الاعتداء يبلغ أبعد من ذلك؛ إذ تُسقط إسرائيل كل ما له علاقة بفرصة الوصول إلى وقف إطلاق النار. ليست المرة الأولى التي تستهدف فيها مفاوضيها، ولا دولةً مضيفة تستضيف المفاوضات. وما يجري يقول الكثير، وهو أن إسرائيل لن تقف عند حدود اتفاق أو تفاهم أو ترتيبات. فالمفاوضات لم تحمِ حركة حماس وقياداتها، ولم تحمِ سوريا التي تتعرض لضربات متواصلة. وبالتأكيد، كل الأوراق الأميركية وغيرها لن تحمي لبنان في ظل المشروع الإسرائيلي الواضح على وقع الاستعدادات للمزيد من التصعيد.

عملياً، لم يعد هناك من جغرافيا تحدّ الجموح الإسرائيلي المتوحش. وبهذا المعنى، إسرائيل الكبرى ليست في التوسع على الأرض؛ بل في التوسع بالمعنى الأمنيّ، وصياغة المحددات السياسية والاقتصادية والثقافية في المنطقة. يشير ذلك بوضوح إلى الاستعمارية الإسرائيلية، التي تريد ليدها أن تكون طويلةً، وتمتد حيثما شاءت ومتى أرادت. لم تتخل إسرائيل يوماً عن مسارها الاستعماري، ولكنها الآن تريد أن تكون دولة استعمارية بالمعنى الكلاسيكي، قائمة على الهيمنة العسكرية، والاستحواذ على الأرض والموارد، والتلاعب بمكوناتِ المنطقة وإثنياتها وطوائفها وجماعاتها كلها. وهو ما تريد أن تفرضه بالقوة والترهيب والاستباحة. وهذا المشروع لا يمكن أن يتوقف عند حدود غزة، أو الضفة الغربية، أو التعاطي مع لبنان وسوريا بوصفهما "الضفة الشمالية"؛ بل لاحقاً ستطال إسرائيل مصير الدول العربية بأسرها. وكما تفرض على لبنان وسوريا مناطق عازلة خالية من السكان، وتقيم قواعد عسكرية لحماية مستوطناتها كما تدعي، فهي تريد أن تقول لاحقاً إنها تريد حصتها من نهر النيل، وربما التمركز على الضفة الشرقية من قناة السويس، وتريد حصتها أو خوَّتها من أية دولة أخرى.

الخطر قائم على كل العالم العربي، على مصر، السعودية والأردن كما على سوريا، لبنان، فلسطين. وها هو قد تمدد إلى استهداف الدوحة. وبمقدار ما تأتي هذه الضربة في قلب العالم العربي وخليجه بالتحديد، فهي موجهة أيضاً إلى غالبية دول المنطقة، ولا سيما الدول الكبرى فيها، بدءاً من إيران وصولاً إلى تركيا. وهي وإن خاضت حرباً عسكرية ضد إيران، فها هي تخوض حرباً أمنية على النفوذ مع تركيا في سوريا، وتطمح إلى التلاعب بالواقع الداخلي التركي، باستخدام أوراق عديدة، أبرزها الورقة الكردية، التي تسعى إلى التسلل إليها لتستخدمها في سوريا، في إطار مشروعها لتهديد الكيانات والمكونات. إنها تريد تهجير أهل غزة إلى مصر، وأهل الضفة إلى الأردن، وتهجير شريط سكاني من لبنان، وترفض أن تكون سوريا موحدة، وصولاً إلى تهديد أمن الخليج العربي، كما أن طموحها قد يصل إلى حدود إنشاء قواعد عسكرية في دول عربية، والتحكم بمسار تمرير أنابيب النفط والغاز، والتحكم بالمسارات المائية.

ما تريده إسرائيل، وما تسعى إليه هو فرض الاستسلام، ليس على حركة حماس، ولا على منظمة التحرير أو السلطة الفلسطينية فحسب؛ بل هي تريد استسلاماً عربياً كاملاً، وتطمح إلى أن تحدد مسارات هذه الدول في إدارة سياساتها وثرواتها. لن يتوقف مشروع إسرائيل عند حدود عمليات الاغتيال والاستهداف والقصف؛ بل هي تريد خلق مشكلات داخل كل دولة وبين مكوناتها، وهذا ما تفعله في سوريا، ولو بدا ذلك كأنه يتعارض مع المسار الأميركي. وفي أي حال، إسرائيل تخرّب أي مسار أميركي قد لا يتوافق مع رؤيتها ومشروعها. وقد نجح نتنياهو في أن يحوّل أيّة إدارة أميركية إلى أسيرة له ولحساباته وجنونه. وبسعيها إلى استهداف قطر، بكل ما تحمله من رمزية في علاقاتها الدولية، شرقاً وغرباً، ومع الولايات المتحدة الأميركية بالتحديد، إضافة إلى دورها كإحدى أبرز الدول الناشطة في مجال الوساطة السياسية وحل النزاعات، أثبتت إسرائيل أنها دولة غير قابلة لتسوية أي نزاع. فهي لا تستهدف دولة قطر؛ بل تستهدف الدور والمعنى.

هذا التغوُّل والواقع القائم، بات يفرض على العالم العربي الإسراع في التفكير على نحوٍ مختلف جذرياً عن كل ما سبق، لحماية ما تبقى من حصانات تتمتع بها الدول العربية، ومصالحها ومجتمعاتها ومواردها، لأن ما جرى هو تجاوز لكل القوانين والمواثيق الدولية، ويزيد الشكوك بكل ما له علاقة بالحمايات الدولية. فما جرى هو اختراق لكل الأمن القومي العربي. وهو ما يفترض أن يبدأ بدعوات عربية عاجلة إلى قمة خليجية، وقمة عربية طارئة، لإعادة النظر بكل السياسات العربية، على صعيد العلاقات البينية، أو على خط اتخاذ موقف واضح ضد كل ما يسمى اتفاقيات سلام، والبحث عن اتفاقيات دفاع مشترك، وحماية ما تبقى من استقلال في مواجهة هذا المشروع الاستعماري الذي يهدد الجغرافيا العربية كلها. إذ إن كل الكيانات التي نشأت بعد الحرب العالمية الأولى قد أصبحت اليوم مهددة.

المدن

The post حرب إسرائيل على المنطقة: ضربُ الجغرافيا والممرّات والمكوّنات appeared first on LebanonFiles.

للمزيد من التفاصيل: إضغط هنا