محللون: مسيّرات روسيا فوق بولندا كشفت أن الناتو أضعف مما يبدو

حفظ
زادت حادثة اختراق مسيّرات روسية للأجواء البولندية من سخونة الخلاف بين موسكو وحلف شمال الأطلسي (ناتو)، لكنها كشفت في الوقت نفسه عن أن التحالف الأطلسي ليس بهذه القوة التي يدعيها أو التي يريدها، كما يقول محللون.
فقد اتهمت وارسو الجانب الروسي بخرق أجوائها بـ19 طائرة مسيّرة، ووصفت الأمر بأنه "عمل عدواني"، وحذرت حلفاءها في الناتو من الدخول في مواجهة مفتوحة بعد هذا التطور، داعية لتفعيل المادة الرابعة من ميثاق الحلف.
بدوره، قال الأمين العام للحلف مارك روتا، إن الناتو "مستعد لكل الاحتمالات، وإن التعامل البولندي مع المسيّرات الروسية ناجح للغاية"، في حين نفت موسكو قيامها بخرق الأجواء البولندية.
كما وصف المستشار الألماني فريدريك ميرتس الحادث بالمتهور، وقال الاتحاد الأوروبي إن هذه الحادثة "هي الأخطر منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية"، بينما أكدت الولايات المتحدة دعمها للدفاع عن كل شبر من أراضي الدول الأعضاء في الناتو.
أما الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، فأعرب عن أسفه لأن رد الفعل الأوروبي إزاء هذا التصرف الروسي لم يتجاوز التصريحات.
اختبار لدفاعات الناتو
ورغم ما تحمله هذه الواقعة المتطورة من احتمالية وصول موسكو إلى لحظة الصدام المباشر مع أقوى تحالف عسكري في العالم، فقد كشفت في الوقت نفسه عن استعدادات هذا التحالف للمواجهة عسكريا وربما سياسيا أيضا.
صحيح أن المحلل السياسي الروسي سيرغي ستروكان يستبعد قيام موسكو بهذه الخطوة التي قد تضعها في مواجهة مباشرة لا تريدها مع الناتو، لكنه يستغرب في الوقت نفسه عدم اتخاذ أقوى تحالف عسكري في العالم خطوة للدفاع عن بلد عضو فيه.
وقد حمل حديث ستروكان -خلال مشاركته في برنامج "ما وراء الخبر"- تهكما واضحا على قدرات الناتو الدفاعية التي لم تتمكن من التعامل من المسيّرات إلا بعد دخولها الأجواء البولندية بنصف ساعة، لكنه استبعد تعمد روسيا القيام بهذا الخرق.
إعلانفموسكو لا ترغب في جر الناتو إلى الحرب التي تريدها بينها وبين أوكرانيا، ومن ثم فقد يكون حديث الخبراء الروس عن دخول هذه المسيّرات -التي كانت متجهة إلى أوكرانيا- سماء بولندا دون قصد بعد تغيير مسارها لتفادي منظومات "إيه بي إم" (ABM) التي كادت تسقطها، هو الأقرب للواقع، برأي المحلل الروسي.
لكن هاينو كلينك، النائب السابق لمساعد وزير الدفاع الأميركي، لا يعتقد أن الأمور حدثت صدفة، ويقول إن روسيا حاولت اختبار قدرات بولندا والناتو الجوية، وأيضا مدى عزم الحلف الأوروبي على المواجهة العسكرية.
بل إنه ذهب للقول إن هذا التطور الخطير، مع التصعيد الكبير في الهجمات الروسية على أوكرانيا الأسبوع الماضي، وتجاهل الكرملين لمقترح السلام الذي قدمه الرئيس دونالد ترامب، "يعني أن موسكو ربما تحاول الضغط على الناتو لكي يدخل في الصراع".
ليست صدفة
"فنحن نتحدث عن 19 مسيّرة وليس واحدة أو اثنتين، ومن ثم فلا يمكن القول إن الأمر وقع عن طريق الخطأ، خصوصا أنه وقع في بلد مجاور لبلد يتعرض لغزو روسي، هو أوكرانيا، بحسب كلينك.
ولا يدع هذا التطور مجالا للتشكيك في كون روسيا معتدية وغير معنية بخفض التصعيد، لكنه يظهر ما الذي يمكن أن تصل إليه الأمور ما لم تنفق دول الناتو المزيد لتعزيز قدراتها العسكرية، وتوقف شراء النفط الروسي، برأي كلينك.
ويبدو أن الناتو يتعامل بحرص شديد مع هذه الخطوة، لأنه اجتمع مع البولنديين وناقش الأدلة وطلب من الأميركيين تقديم تصور بما يمكن القيام به، وفق المسؤول السابق في الحلف نيكولاس وليامز.
ويحمّل التقرير البولندي روسيا مسؤولية هذا الخرق الذي يقول وليامز، إنه "ربما يستهدف قياس قدرات الدفاعات البولندية على صد هجوم مستقبلي، رغم عدم وجود تهديد حقيقي بالذهاب لمواجهة مباشرة بين الجانبين حاليا".
بيد أن ستروكان، يجزم بأن موسكو لم تتعمد جر الناتو لحرب، ويرى أن الأمر بحاجة للعديد من الإجابات بشأن مصدر هذه المسيّرات وأهدافها وكيفية دخولها للمجال الجوي البولندي، قبل القفز لاستنتاجات متعجلة، خصوصا أنه حدث ممكن في بلد مجاور لأوكرانيا التي تتعرض لهجمات روسية.
ويبني ستروكان موقفه هذا على الهدوء الذي يتعامل به الناتو مع الواقعة وعدم الدخول في مشاورات عاجلة لتفعيل البند الرابع من ميثاق الحلف، فضلا عن وقوع الحادث "في واحدة من أكثر الدول عداء لروسيا"، حسب وصفه.
وعن الخطوات التي قد يتخذها الناتو للرد على هذا الخرق، قال نيكولاس وليامز، إن الجميع يعرف أن الناتو قوي لكن ليس بالدرجة التي يريدها، مرجحا أن يجري الحلف بحثا لما يمكن القيام به لتعزيز دفاعات بولندا والدول الأعضاء.
وربما يتم إرسال وحدات دفاع جوية خاصة لبولندا، حسب وليامز، الذي قال إن بريطانيا مثلا تدرس إمكانية إرسال طائرات لبولندا بعد هذا الحادث، مؤكدا أن على موسكو السيطرة على سلوكها حتى لا تجد نفسها في مواجهة مباشرة مع الناتو.
أما كلينك، فيرى أن البراغماتية قد تدفع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لإيجاد طريق للسلام، لأنه يعرف أن مواجهة مع الناتو قد تكون كارثية وربما "أولى خطوات الهزيمة"، ولا سيما أنه لم ينتصر على أوكرانيا منذ نحو 4 سنوات.
إعلان