المخرجة التونسية كوثر بن هنية.. من سيدي بوزيد إلى الأوسكار بـ"صوت غزة"

حفظ
قدمت كوثر بن هنية حتى اليوم نحو 11 فيلما حصلت غالبيتها على جوائز وإشادة فنية من مهرجانات عالمية وكبار النقاد، دخلت تاريخ الفن العربي عندما أصبحت أول امرأة عربية على الإطلاق تحصل على ترشيحين لجوائز الأوسكار وتستعد للثالثة، لتنتمي إلى جيل من السينمائيين التونسيين الذين اقتحموا بشجاعة وجرأة قضايا مجتمعية وسياسية كانت تخضع للرقابة ومن المحظورات قبل ثورة 2011، وأسهم ذلك في ظهور سينما جديدة واقعية وغير متكلفة.
ولدت المخرجة التونسية كوثر بن هنية في سيدي بوزيد التي تقع وسط تونس عام 1977، المدينة التي كانت منطلق الاحتجاجات التي أسقطت نظام بن علي في ربيع عام 2011.
اقرأ أيضا
list of 2 itemsend of listدرست الإخراج السينمائي في "معهد الفنون والسينما" في تونس العاصمة، وفي جامعة "لا فيميس" في باريس والتي درست فيها أيضا كتابة السيناريو عام 2005. وفي فترة التدريب أخرجت العديد من الأفلام القصيرة، أحدها كان فيلم "البريش" الذي لاقى استحسانا كبيرا.
مسيرتها الفنية بدأت عام 2004 بفيلم عنوانه "الخرق" وهو فيلم مدرسي قصير. أما فيلمها القصير الذي قدمها لعالم السينما فكان في عام 2006، فحمل عنوان "أنا وأختي والشيء"، وفي 2010 أصدرت الفيلم الوثائقي "الأئمة يذهبون إلى المدرسة".
وسيقدمها فيلمها القصير "يد اللوح" للمهرجانات السينمائية، إذ فاز بأكثر من 10 جوائز، ثم أتبعته بفيلم طويل "شلاط تونس" لتمضي بعدها نحو العالمية بعرض فيلمها "على كف عفريت" في مهرجان كان السينمائي عام 2017 والذي رشح لجائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي.
كما رشح فيلمها "الرجل الذي باع جلده"، لجائزة أفضل فيلم روائي دولي في حفل توزيع جوائز الأوسكار عام 2020، وفيلمها الوثائقي "أربع بنات" الذي تم ترشيحه أيضا لأفضل فيلم وثائقي لجوائز الأوسكار عام 2024.

نالت كوثر بن هنية عدة جوائز سينمائية وفنية مرموقة، كانت أولى هذه الجوائز: جائزة الجمهور في مهرجان القاهرة الدولي لسينما المرأة عن فيلم "يد اللوح" في عام 2014، ثم جائزة التانيت الذهبي، في أيام قرطاج السينمائية في عام 2016 عن فيلم "زينب تكره الثلج"، ووسام الاستحقاق الثقافي من رتبة فارس بتونس في نفس العام.
ومنحت في عام 2023 جائزة الشرق الوثائقية بمهرجان البحر الأحمر الدورة الثالثة عن فيلم "بنات ألفة"، ولتتوج مسيرتها في الإخراج بجائزة الأسد الفضي في مهرجان فينيسيا السينمائي عن فيلم "صوت هند رجب".
ووثق فيلم "صوت هند رجب" بالصوت والصورة المأساة الأخيرة لطفلة فلسطينية حوصرت داخل سيارة تحت القصف الإسرائيلي على غزة في يناير/كانون الثاني عام 2024، وظلت لساعات تتوسل عبر الهاتف لإنقاذها.
واستعان فيلم "صوت هند رجب" ومدته 89 دقيقة، بالتسجيل الحقيقي لصوت الطفلة هند، وهي تستغيث طلبا للمساعدة خلال تعرض سيارة تقلها لإطلاق نار مكثف من قوات الاحتلال، وكان الفيلم على قمة ترشيحات الجمهور، وحظي بتصفيق حار استمر 24 دقيقة في عرضه الأول في مهرجان فينيسيا.
الفيلم لا يكتفي بالتوثيق، بل يعرض أيضا تحليلا تقنيا وفنيا للجريمة عبر الأداء التمثيلي، إذ يشير أحد العاملين في الهلال الأحمر إلى أن الدبابات الإسرائيلية مزودة بأجهزة استشعار حرارية، وبأن الجنود كانوا مدركين تماما أنهم يستهدفون طفلة على قيد الحياة.
وبدت براعة كوثر بن هنية في تجسيد القصة سينمائيا من خلال المزج بين التسجيلات الصوتية الحقيقية وشهادة والدة هند رجب، واعتمادها على كاميرا متحركة أعطت شعورا بالاختناق يحاكي ما عاشته هند، كما وظفت اللقطة القريبة التي عادة ما تركز على انفعالات الوجوه.
ورغم صعوبة التصوير في فضاء مغلق أبدع الممثلون: سجا كيلاني، وعامر حليحل، وكلارا خوري، ومعتز ملحيس في تقديم أداء حظي بإشادة واسعة.
الفيلم استقبل بحفاوة من النقاد والصحافيين، كما حاز زخما إضافيا بانضمام أسماء بارزة من هوليود كمنتجين تنفيذيين، من بينهم براد بيت وخواكين فينيكس وروني مارا، الذين حضروا المؤتمر الصحافي تأكيدا لدعمهم.
حضور الفيلم لم يقتصر على مهرجان فينيسيا فقط، إذ يستعد لعرضه في مهرجان تورونتو السينمائي، كما اختير لتمثيل تونس في سباق الأوسكار عن فئة أفضل فيلم دولي، وهو الترشيح الثالث لفيلم من صناعة بن هنية.

وعقبت المخرجة التونسية على فيلمها وسط دموع الحضور، بالقول: "لا يمكن للسينما أن تعيد هند للحياة، ولا يمكنها أن تمحو الفظائع التي ارتكبت بحقها. لا شيء يمكنه أن يعيد ما سلب منها، لكن السينما يمكنها أن تحافظ على صوتها، وتجعل صداه يتردد عبر الحدود".
وأضافت "سيظل صوتها يتردد إلى أن تتحقق المساءلة الحقيقية، وإلى أن تتحقق العدالة".
وحين سُئلت خلال المؤتمر الصحافي إن كان هذا الدعم الذي لقيه الفيلم مؤشرا على "خسارة إسرائيل حرب الثقافة في هوليود"، قالت: "آمل أن يكون لهذا الحضور معنى. الفن والسينما مهمان، لأنهما يمنحان الضحايا صوتا ووجها في مواجهة الروايات التي تصف موت أهل غزة كأضرار جانبية فقط".
وأضافت بن هنية: "حين سمعت صوت هند للمرة الأولى، كان أكبر من صرخة طفلة واحدة. كان صوت غزة كلها تستنجد. نحن نقول كفى. كفى لهذه الإبادة الجماعية".
وفي تدوينة على حسابها على منصة فيسبوك، أهدت كوثر الجائزة التي نالتها في مهرجان فينيسيا عن فيلم "صوت هند رجب" إلى الهلال الأحمر الفلسطيني وللجهود الإغاثية في قطاع غزة، متعهدة بإيصال صوت هند وغزة لكل العالم، "هذا الفيلم لم يكن بالنسبة لنا مجرد عمل سينمائي، بل كان واجبا. لم نحتج لخلق شخصيات أو تمثيل، كل شيء كان بداخلنا منذ عام ونصف. كنا بحاجة لهذا الفيلم كي نعبر عن أنفسنا ونقف خلف قصته، لأنه يروي حكاية أبطال حقيقيين على الأرض" بحسب قولها.
ولم يكن هذا الموقف الأول للمخرجة التونسية فقد استقبل الوسط الثقافي التونسي والعربي بكثير من الارتياح موقفها في احتفال توزيع جوائز "السيزار" في باريس عام 2024 عندما طالبت بوقف المذبحة في غزة، قائلة: "إن المذبحة اليوم تنقل على هواتفنا وحان الوقت أن تتوقف". كما عرجت على قتل الصحافيين في عزة.
كوثر بن هنية واحدة من أبرز المخرجات العربيات تأثيرا وحضورا في المهرجانات العالمية، وأصبحت أفلامها تنافس على الجوائز الكبرى، كما تثير أفلامها الجدل، وباتت السجادة الحمراء تعرف تماما خطوات كوثر وهي تسير عليها بكل ثقة رغم انشغالها بتصوير فيلم جديد في فرنسا.