Skip to main content

ما الذي يرسم علاقة قسد بدمشق؟

15 أيلول 2025

ما الذي يرسم علاقة قسد بدمشق؟

أحمد الشرع (يمين) يصافح مظلوم عبدي بعد توقيع اتفاق مارس/آذار (الفرنسية)
Published On 15/9/202515/9/2025|آخر تحديث: 18:09 (توقيت مكة)آخر تحديث: 18:09 (توقيت مكة)

حفظ

أكد الرئيس السوري أحمد الشرع خلال مقابلة تلفزيونية له بثها الإعلام السوري الرسمي في 12 سبتمبر/أيلول الجاري وجود نوع من التعطيل أو التباطؤ في تنفيذ الاتفاق الذي وقعته الحكومة مع قائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، مظلوم عبدي، في مارس/آذار الفائت، مشيرا إلى أن "قسد" لا تمثل كل المكون الكردي.

وقد أتت تصريحات الشرع بعد أيام من تصعيد عسكري قامت به تشكيلات تابعة لقسد في ريف حلب الشرقي، تَمثل بقصف مدفعي وصاروخي لمناطق سكنية مما أدى لأضرار مادية وبشرية، على الرغم من اتفاق وقف إطلاق النار بين قسد والحكومة السورية الساري منذ مطلع العام الجاري.

ويأتي هذا الهجوم الذي سبقته هجمات مماثلة أقل شدة في ظل استعصاء في تطبيق اتفاق مارس/آذار الذي يقضي بوقف إطلاق النار واندماج قوات سوريا الديمقراطية ضمن مؤسسات الدولة، وسط تصريحات متضاربة من "قسد" في هذا الصدد.

تصريحات متضاربة تعكس توجهات متباينة

منذ أن بدأ مسار التفاوض بين تنظيم قسد والحكومة السورية الجديدة مطلع عام 2025 ظهرت حالة من التضارب في المواقف والتصريحات بين قائد قسد مظلوم عبدي، وقيادات سياسية كردية في مجلس سوريا الديمقراطية، الذي يُفترض أنه الواجهة السياسية لقسد، الأمر الذي يشير إلى وجود توجهات وتيارات متباينة.

وفي وقت يؤكد فيه عبدي على وحدة سوريا وفق نظام لامركزي، تتحدث قيادات أخرى أبرزها القيادي في حزب الاتحاد الديمقراطي صالح مسلم، وهو من مكونات مجلس سوريا الديمقراطية عن "الحكم الذاتي المحلي"، وأنه أفضل طريقة للعيش المشترك، مع امتداح تجربة "الإدارة الذاتية" التي تسيطر على محافظتي الحسكة والرقة، بالإضافة لقسم من محافظة دير الزور.

ويعتبر مسلم إلى جانب القيادي البارز الآخر في حزب الاتحاد الديمقراطي، ألدار خليل، من المدافعين عن مشروع "الإدارة الذاتية" منذ عام 2013، وقد حافظوا على دفاعهم عن المشروع على الرغم من الاتفاقية الموقعة في مارس/آذار الماضي، وتأكيدات قائد قسد مظلوم عبدي على أن الأوضاع في سوريا لا تسمح بالحديث عن الفدرالية.

إعلان

وبعيد توقيع اتفاق مارس، أطلق قائد قسد تصريحات إيجابية تجاه دمشق، أكد فيها أن أحمد الشرع هو رئيس سوريا، وأنه لن يكون في البلاد جيشان، حيث ينص الاتفاق على مبادئ أساسية منها وحدة الأراضي والمؤسسات السورية.

فيما ظهر ألدار خليل الذي يوصف بأنه "أحد مهندسي مشروع الإدارة الذاتية" في مقابلة خلال مايو/أيار الفائت، تحدث فيها أن وفد "الإدارة الذاتية" هو من سيفاوض دمشق، وهذه المفاوضات ستحدد مصير قوات قسد، محذرا من اندلاع حرب أهلية وتقسيم سوريا.

وبدا لافتا غياب عبدي عن المؤتمر الذي رعته "الإدارة الذاتية" في محافظة الحسكة خلال شهر أغسطس/آب الماضي، تحت مسمى "كونفرانس وحدة الموقف"، في حين حضر سيبان حمو، قائد "وحدات حماية الشعب" التي تُعتبر الذراع العسكرية لحزب الاتحاد الديمقراطي عراب مشروع "الإدارة الذاتية".

ينفي عبدي باستمرار ارتباط قسد بحزب العمال الكردستاني، في حين لا تخفي شخصيات كردية أخرى، مثل إلهام أحمد مسؤولة العلاقات الخارجية في "الإدارة الذاتية"، العلاقة مع الحزب، وتشير إلى أن الأخير دوره داعم للإدارة الذاتية.

أثر التسوية الكردية في تركيا على سوريا

وبالتوازي مع إعلان زعيم ومؤسس حزب العمال الكردستاني، عبد الله أوجلان، إيقاف العمليات العسكرية ودعوته إلى إلقاء السلاح في فبراير/شباط الفائت، ثم توقيع قسد لاتفاقية وحدة الأراضي السورية مع دمشق، روج محللون سياسيون مؤيدون لقيادة قسد لمصطلح "فك الساحات" بين قنديل وشمال شرق سوريا لتجنب العمليات العسكرية التركية.

كما أجرى عبدي زيارة هي الأولى من نوعها إلى أربيل، والتقى بزعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود البارزاني، خصم حزب العمال الكردستاني اللدود.

وفي مطلع سبتمبر/أيلول الجاري، نقل وفد إميرالي الكردي، الذي يتوسط في المفاوضات بين الحكومة التركية وأوجلان، تصريحات عن الأخير اعتبر فيها أن "روجافا خط أحمر" في إشارة إلى مناطق شمال شرق سوريا.

فقد جاء إعلان الوفد عن تصريحات أوجلان إثر تلويح تركي رسمي باستخدام الخيار العسكري بسبب عدم التزام قسد بتنفيذ اتفاقها مع دمشق، بالتوازي مع استقدام تعزيزات عسكرية تركية إلى خطوط التماس مع قسد شرق حلب.

وتعكس تصريحات أوجلان وجود توجه للإبقاء على دور حزب العمال في الملف السوري، وربط ملف شمال شرق سوريا بمباحثات التسوية الكردية الشاملة بين الحزب والحكومة التركية.

مقربون من قسد روجوا بعد نداء أوجلان للتخلي عن السلاح لمفهوم "فك الساحات" (مواقع التواصل)

وزن قسد في معادلة شمال شرق سوريا

تأسس تنظيم قسد آواخر عام 2015 بعد إطلاق الولايات المتحدة لتحالف دولي من أجل مكافحة تنظيم الدولة في العراق وسوريا، وتعتبر وحدات حماية الشعب -الذراع العسكرية لحزب الاتحاد الديمقراطي- المكون الأساسي والأكبر في التنظيم والتي تضم أيضا تشكيلات عربية وسريانية وآشورية أقل وزنا.

وبعد عدة أعوام من تأسيس قسد، أكدت قيادات عسكرية أميركية، ومنها قائد العمليات الخاصة في الجيش الأميركي ريموند توماس أن الغاية من تأسيسها هو استبدال اسم الوحدات التابعة للاتحاد الديمقراطي واعتماد مسمى قوات سوريا الديمقراطية (قسد) لإعطاء تطمينات لتركيا، التي تعتبر الاتحاد الديمقراطي امتدادا للعمال الكردستاني.

وقبل تأسيس قسد، ارتبطت الوحدات وحزب الاتحاد الديمقراطي بعلاقات مع إيران، وهذا ما أكده صالح مسلم في تصريحات له عام 2013، أكد فيها حصول اتفاق مع طهران على محاربة "المتشددين" مع موافقتها على "مشروع الإدارة الذاتية"، وبالفعل فقد شهد عاما 2013 و2014 تمددا للوحدات في الحسكة ومناطق من ريف حلب دون مواجهات مع قوات نظام الأسد حينها.

إعلان

ومع الدعم الأميركي وتأسيس قسد، تصدّر الواجهة مظلوم عبدي كقائد عسكري للتنظيم، لكن هذه التسمية الجديدة كانت تعبر عن تحالف مع قوى أخرى، ولم تؤد إلى تفكيك وحدات الحماية التي احتفظت بهيكلها مع وجود قائد مستقل لها، وهو حاليا سيبان حمو.

بعد سقوط نظام الأسد، وتولي الرئيس أحمد الشرع إدارة البلاد تصدع تحالف قسد إلى حد كبير مع اقتراب أبرز مكون عربي فيه، والمتمثل بقوات الصناديد، من دمشق، حيث رفضت قيادة قبيلة شمر في سوريا، التي تنتمي لها الصناديد حضور مؤتمر "وحدة الموقف" الأخير في الحسكة، وصدرت تصريحات عن قيادة القبيلة تؤكد أن بوصلتها دمشق.

بالمقابل، تعمل وحدات الحماية على استقطاب عناصر وضباط عملوا سابقا في نظام الأسد لتعويض فقدان العنصر العربي للحفاظ على قدرة الإمساك بالأرض، وقد أكدت تقارير سورية عديدة استقطاب الوحدات لقرابة 6 آلاف عنصر وضابط من فلول الأسد، وهذا يتماشى مع توجهات الوحدات السابقة وتقاربها مع إيران ونظام الأسد.

اليد العليا في قسد لأطراف أخرى

أيضا، تنشط في مناطق شمال شرق سوريا تشكيلات مرتبطة بحزب العمال الكردستاني، أبزرها قوات "الكريلا" التي يشرف على نشاطها القيادي البارز في الحزب فهيم حسين الملقب بـ"باهوز أردال".

وقد سبق لأردال أن قاد بين عامي 2004 و2009 "قوات الدفاع الشعبي" المرتبطة بالعمال الكردستاني، وشارك في تأسيس "الاتحاد الديمقراطي" عام 2002، وتتهمه تركيا بتنفيذ عمليات إرهابية على أراضيها.

وتضم قوات الكريلا مقاتلين أكرادا أتراكا وعراقيين وإيرانيين ينتسبون فعليا للعمال الكردستاني.

قوات الشبيبة الثورية تشكيل آخر أيضا مرتبط بالعمال الكردستاني، وينشط على الأراضي السورية، واختصاصه تعبئة الأطفال والمراهقين ضمن التشكيل وتشريبهم أفكار الحزب المستمدة من شعاراته.

وسبق أن أدان قائد قسد، مظلوم عبدي، الهجوم الذي نفذه عناصر يتبعون للشبيبة الثورية على مكاتب تتبع للمجلس الوطني الكردي في سوريا آواخر عام 2021، ووصف من قاموا بالفعل بأنهم "مجموعة من المخربين المخالفين للقانون".

كما سارعت عناصر الشبيبة إلى الاعتداء على الاحتفالات التي نظمها سكان عرب في دير الزور والحسكة احتفاء بتوقيع اتفاق مارس/آذار بين قائد قسد والحكومة السورية، مما يعكس عدم وجود ارتباط تنظيمي بين قيادتي قسد والشبيبة الثورية، حيث يصف صحفيون أكراد الأخيرة بأنهم سلطة فوق قسد.

وتعتبر محافظة السليمانية العراقية الخاضعة لسيطرة حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة بافل طالباني عمقا للتشكيلات المرتبطة بالعمال الكردستاني وتنشط في سوريا، نظرا للعلاقة التي تجمع طالباني بقيادة العمال الكردستاني في العراق، حيث يعتبر الطرفان أقرب للمحور الإيراني منه للعلاقة مع واشنطن.

وذلك على عكس أربيل التي يسيطر عليها الديمقراطي الكردستاني بزعامة بارزاني، والتي كثفت منذ مطلع العام الحالي اتصالاتها مع عبدي وتتوسط بينه وبين دمشق.

بارزاني (يسار) استقبل مظلوم عبدي وتوسط بين قسد ودمشق (الصحافة العراقية)

تأثير تباينات قسد على مستقبل العلاقة مع دمشق

إلى جانب ما صدر عن الرئيس السوري الشرع حول وجود عرقلة في تنفيذ اتفاق مارس/آذار مع قسد، وتأكيده أن الأخيرة لا تمثل كل أكراد سوريا، ظهرت مؤشرات أخرى تدل على زيادة التباعد بين الجانبين، فقد أعلن المجلس الوطني الكردي الذي كان أحد مكونات ائتلاف المعارضة السورية قبل سقوط الأسد تلقيه دعوة من الحكومة السورية لعقد لقاء مع الشرع.

وكان مؤتمر وحدة الصف الكردي الذي عقدته قسد في القامشلي في أواخر أبريل/نيسان الماضي قد ضم المجلس الوطني الكردي، والذي كان شريكا رئيسيا في صياغة البيان الختامي الذي دعا إلى "تشكيل وحدة سياسية متكاملة تضم الأراضي الكردية في إطار سوريا اتحادية"، وتشكيل وفد مشترك على ضوء هذه الرؤية للتفاوض مع دمشق تحت سقفها.

إعلان

ومنذ تشكيل الوفد الكردي المشترك لم يحصل لقاء بينه وبين المسؤولين في دمشق، وفي ظل الحديث عن دعوة الأخيرة للمجلس الوطني الكردي للحوار، فمن المحتمل أن الحكومة ترغب بممارسة ضغوط على قسد لدفعها باتجاه الشروع في تنفيذ اتفاق مارس.

وقد يفسر فتح الحكومة السورية المجال للتباحث مع المجلس الوطني الكردي الذي لديه تباينات مع مكونات قسد الرئيسية، أنها تبحث بالفعل عن شريك كردي يشارك في التسوية السورية ليبقى من هو خارجها في صف المتمردين على الشرعية.

إن استمرار الولايات المتحدة في عملية إعادة الانتشار وتقليص الوجود في العراق وسوريا سيفتح الباب أمام تصاعد تأثير التشكيلات المرتبطة بحزب العمال الكردستاني على حساب قيادة قسد المرتبطة بالتنسيق مع واشنطن، وبالتالي تزايد التباعد بين قسد ودمشق، مع احتمال العودة للخيار العسكري خاصة إذا فشلت مباحثات التسوية بين تركيا والعمال الكردستاني.

المصدر: الجزيرة

للمزيد من التفاصيل: إضغط هنا