
أواخر شهر يناير من عام 2025، وسائط التواصل الاجتماعي في السودان، صورة مروعة لعملية قتل "معلم" يشغل منصب رئيس حزب الأمة القومي في المنطقة، ومنع مواراة جثمانه أو الاقتراب منه لعدة ساعات.
ويتعلق الأمر بالطيب عبد الله، وأثارت عملية تصفيته غضباً واسعاً في الأوساط السياسية وأوساط المعلمين، ونددت بما أسمته "الجريمة البشعة".
وقال حزب الأمة القومي، في بيان آنذاك، إن "قتل رئيس فرعه في أم روابة جريمة وحشية هزت الضمير الإنساني، وكشفت عن الوجه الإجرامي لهذه القوات بعد سيطرتها على المدينة"، وناشد المنظمات الحقوقية والدولية رصد هذه الجرائم وإدانتها.
وأضاف: "«تم منع المواطنين من الاقتراب من جثمانه لأكثر من ثلاث ساعات، وهو يسبح في دمائه"، وأشار إلى ما أسماه "ارتكاب مجازر وإعدامات ميدانية مماثلة بحق المواطنين في المدينة".
الجريمة البشعة، كانت تقف خلفها كتائب البراء بن مالك الذراع العسكري لجماعة الإخوان في السودان ، مدعومة من طرف الجيش السوداني، في أم روابة» بولاية شمال كردفان، عمليات قتل وتصفيات لمدنيين تحت ذريعة "التعاون" مع الدعم السريع.
وأعدت الكتائب آنذاك، قوائم» لمدنيين، تتهمهم بما سمته التعاون، بحسب مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وأشار إلى قائمة يتلوها رجال بأزياء الجيش وينتمون لـ"لواء البراء بن مالك" المتطرف، وهم يتلون قائمة طويلة من الأسماء لأشخاص يزعمون أنهم "متعاونون" مع الدعم السريع وهم يرددون كلمة زايلة عقب تلاوة أي اسم، وتعني "قتل".
واطلع المكتب، على فيديو يظهر فرداً آخر من لواء البراء بن مالك المتحالف مع الجيش، يهدد سكان ضاحية الحاج يوسف بالخرطوم بحري بـالذبح.
عقوبات أمريكية
هذه الجرائم، تستمر في السودان منذ اندلاع الحرب بين قوات تحالف السودان التأسيسي "تأسيس"، والجيش السوداني، منتصف إبريل 2023، ما دفع الولايات المتحدة الأمريكية إلى فرض عقوبات على الميليشيا المتطرفة.
وفرضت وزارة الخزانة الأميركية 12 سبتمبر 2025، عقوبات على وزير المالية السوداني جبريل إبراهيم، وعلى ميليشيا "لواء البراء بن مالك" الإسلامية، لدورهما في الحرب الأهلية المستمرة في السودان وصلاتهما الوثيقة بإيران.
وقالت الوزارة في إن هذه الخطوة تهدف إلى تقليص نفوذ الجماعات الإسلامية داخل السودان، والحد من أنشطة إيران الإقليمية التي ساهمت في زعزعة الاستقرار وتفاقم الصراع ومعاناة المدنيين.
وأكدت أن الولايات المتحدة ملتزمة بالعمل مع شركائها لتحقيق السلام والاستقرار في السودان ومنع تحوله إلى ملاذ آمن لمن يهدد الأميركيين ومصالحهم.
وأوضحت أن العقوبات تأتي بعدما لعبت الجماعات الإسلامية في السودان دورًا بارزًا في تقويض مؤسسات الدولة، خصوصًا خلال حكم الرئيس السابق عمر البشير الذي استمر ثلاثة عقود حتى الإطاحة به عام 2019. ومنذ ذلك الحين، ساهم الإسلاميون في عرقلة مسار الانتقال الديمقراطي، بما في ذلك إفشال الحكومة المدنية الانتقالية والاتفاق الإطاري السياسي.
وأدى هذا الدور بحسب الوزارة، إلى اندلاع القتال بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع في أبريل 2023، وهو صراع أودى بحياة ما يقدر بنحو 150 ألف شخص وتسبب في نزوح أكثر من 14 مليون، بحسب تقديرات الأمم المتحدة.
وقالت إن جبريل حشد آلاف المقاتلين لدعم الجيش السوداني في معاركه ضد قوات الدعم السريع، مما أدى إلى تدمير بلدات وتشريد آلاف المدنيين. كما ذكرت وزارة الخزانة أنه سعى إلى تعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية مع إيران، وزار طهران في نوفمبر الماضي.
أما "لواء البراء بن مالك"، وهي جماعة إسلامية سودانية انبثقت عن "قوات الدفاع الشعبي" المرتبطة بنظام البشير، فقد دفعت حسب الوزارةـ بأكثر من 20 ألف مقاتل إلى القتال ضد قوات الدعم السريع، معتمدة على أسلحة وتدريب وفرها الحرس الثوري الإيراني، مضيفة أن عناصرها ارتكبوا انتهاكات جسيمة شملت اعتقالات تعسفية وتعذيبًا وإعدامات ميدانية بحق من يُشتبه بارتباطهم بقوات الدعم السريع.
وقال وكيل وزارة الخزانة لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية، جون ك. هيرلي: "الجماعات الإسلامية السودانية أقامت تحالفات خطيرة مع النظام الإيراني. لن نقف مكتوفي الأيدي ونسمح لها بتهديد الأمن الإقليمي والعالمي. نحن نستخدم أدوات العقوبات لتعطيل هذه الأنشطة وحماية الأمن القومي الأميركي".
خارطة طريق
وضمن المساعي الدولية لرسم ملامح سودان جديد بدون إخوان مسلمين، قدمت الولايات المتحدة الأمريكية، والإمارات العربية المتحدة، والمملكة السعودية، ومصر بالتزامن مع العقوبات الأمريكية، مقترحا لإنقاذ السودان
وفي بيان مشترك، دعا وزراء خارجية الدول الأربع، إلى هدنة إنسانية لمدة ثلاثة أشهر في السودان، لتمكين وصول المساعدات الإنسانية سريعاً على أن يتبعها وقف دائم لإطلاق النار، وأكدوا أن الصراع في السودان بين الجيش و«قوات تحالف تأسيس» تسبَّب في «أسوأ أزمة إنسانية في العالم»، ويهدد السلام والأمن الإقليميين، مؤكداً أنه لا يوجد حل عسكري للأزمة.
ودعا البيان، جميع الأطراف إلى تسهيل وصول المساعدات الإنسانية بشكل آمن وسريع عبر جميع الطرق، وحماية المدنيين ووقف الهجمات العشوائية على البنية التحتية. واقترح هدنة إنسانية أولية مدتها ثلاثة أشهر تمهد لوقف إطلاق نار دائم، على أن يعقبها إطلاق عملية انتقالية شاملة خلال تسعة أشهر تؤدي إلى قيام حكومة مدنية مستقلة وذات شرعية واسعة.
وتعهد البيان، باستخدام كل الجهود لدعم تسوية سياسية بمشاركة طرفي النزاع، والضغط على الأطراف لحماية المدنيين والبنية التحتية، وتأمين وصول المساعدات الإنسانية. كما شددت على أهمية مواجهة تهديدات الجماعات المتشددة العابرة للحدود، وحماية أمن البحر الأحمر.
وقال إن مستقبل السودان لا يمكن أن تحدده «جماعات متطرفة عنيفة مرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين»، وحذر من دورها في إذكاء العنف وعدم الاستقرار في المنطقة.
ضربة قاضية
وجاء بيان الرباعية كصفعةٍ سياسيةٍ قويةٍ هزّت البناء الفكري والسياسي الهش الذي بنت عليه أجزاءٌ من الحركة الإسلامية وجودها في المشهد الوطني، حسب الناشط السوداني حسن عبد الرضي فكي.
وقال في مقال: "ما يجري اليوم من بلبلةٍ في خطابات جماعة الاسلام السياسي ومن تحوّلٍ في منابرهم إلى مآتمٍ مفتوحة، ليس مناحة و”سكاليب” صوتية فحسب، بل انعكاسٌ لمرحلةٍ مفصلية تجسد إنكشافُ خيبة الأمل في مشروعٍهم، وتراجعُ قدرته على تعبئةٍ سياسيةٍ واجتماعيةٍ كانت تُعدُّ من أدواته الأساسية."
وأضاف: "ما نلاحظه على الأرض وفي وسائلهم أن خطابَ الحركة الإسلامية اتجه إلى سردٍ متكررٍ عن «المؤامرات» و«الخيانات» كآليةٍ للدفاع عن النفس، بينما تتضاءل القدرة على تقديم بدائلٍ عمليةٍ أو استعادةِ ثقة قواعدٍ كانت تدور في فلكهم. هذا الانزلاق إلى لغةِ التحريضِ والاتهامِ يكشف عن فقدانٍ للمرجعيةِ الواقعية التي تُقنع الشارع، ويضعهم في حلقةٍ مغلقةٍ من الردودِ والدفاعِ بدلاً من التجديد الذاتيّ والمراجعة."
وأكد أن بيان الرباعية، "مهما اختلف السودانيون حول بعض آليات تنفيذه، يطرح فرصةً لإعادةِ ترتيب المشهد، كما أنه يضع سقفًا لمرور عمليةٍ سياسيةٍ جديدة، ويمنح القوى الوطنية والمدنية مجالًا لإعادة بناء خطابٍ يعيد للدولة دورها كخادِمٍ للمواطن لا للأجندات الضيقة."
The post السودان.. خارطة لمرحلة جديدة بلا إخوان appeared first on أخبار الساعة من لبنان والعالم بشكل مباشر | Lebanonfiles | ليبانون فايلز.
للمزيد من التفاصيل: إضغط هنا