Skip to main content

التحرر من الأسر ليس نهاية العمل المقاوم.. لماذا يلاحق الاحتلال المحررين المبعدين إلى غزة؟

07 تشرين الأول 2025
https://qudsn.co/photo_٢٠٢٥-١٠-٠٧_٢٠-٤٩-١٨

خاص - شبكة قُدس: أثبتت معركة "طوفان الأقصى" أن حركة حماس لم تتخلّ عن قضية محورية ضمن الثوابت الفلسطينية، وهي "قضية الأسرى في سجون الاحتلال الإسرائيلي". وما بدا لافتًا هو استثمار الحركة في محرّريها، إذ لا يمرّون من السجون إلى مرحلة "النقاهة"، بل يواصلون تجربة الانتقال من الكفاح داخل السجون إلى النضال خارجها بوسائل شتى، وهو ما دفع الاحتلال إلى ملاحقتهم واغتيالهم، واعتقال بعض منهم، حيث انعكس ذلك على تجربة الأسرى المحررين في صفقة وفاء الأحرار "صفقة شاليط 2011". 

ولمّا أظهرت حركة حماس حرصها على سلامة المحرّرين وأمنهم عقب تحررهم وإبعادهم من الضفة الغربية إلى غزة؛ أبدى هؤلاء المحرّرون مستوى غير مسبوق من الانخراط في العمل النضالي، مشاركين في صناعة "طوفان الأقصى" كلٌّ وفق المهام الموكلة إليه ضمن دوائر الحركة، ما يعكس وجود فهم عميق لماهيّة العمل الكفاحي.

وارتقى 29 شهيدًا من محرري صفقة "وفاء الأحرار" المبعدين إلى غزة خلال معركة طوفان الأقصى، وذلك على خلفية نشاطهم التنظيمي والجهادي، كما يقول مسؤول الإعلام في مكتب الشهداء والجرحى والأسرى بحركة حماس، ناهد الفاخوري خلال حديثه مع شبكة قدس الإخبارية. مشيرًا إلى أن ارتقاء شهيدين آخرين من الضفة، هما عبد الفتاح معالي من سلفيت، الذي عاش في غزة منذ عام 2006 بعد انتقاله سابقًا في عدة بلدان عربية لأدوار تنظيمية، والشهيد ناجي عبيات، أحد مبعدي كنيسة المهد.

وبحسب الفاخوري، ومنذ 18 أكتوبر/تشرين الأول 2011، انخرط المحرّرون فور خروجهم من السجون في العمل المباشر التنظيمي بمختلف أشكاله، كلٌّ بحسب تخصصه وقدراته. بعضهم ركّز جهوده على العمل الخيري، أو التنظيمي، أو الجماهيري، فيما استثمر آخرون خبراتهم في المجالات العسكرية، ما جعلهم عناصر فاعلة وذات تأثير ملموس على الأرض.

ويضيف: "كل الشهداء الذين ارتقوا على ثرى غزة تلقوا تدريبات عسكرية، وتميز بعضهم بقدرات قتالية واضحة". ومن أبرز هؤلاء، الشهيد جبريل جبريل من مدينة قلقيلية، الذي ارتقى في الصفوف الأولى خلال معارك حيّ التفاح في الأيام الأولى من اجتياح غزة. كذلك الشهيد فادي الدويك من الخليل الذي ارتقى إلى جانب الشهيد المقدسي زكريا نجيب خلال اقتحام الاحتلال لمجمع الشفاء الطبي في 30 مارس 2024.

وعن استشهاد الدويك ونجيب يروي الفاخوري: "رفض الشهيدان الانصياع لقوات الاحتلال وتسليم نفسيهما خلال حصار المجمع، وخاضا الاشتباك حتى آخر لحظة، حيث أصيبا في بداية القتال، وخطّ دويك اسمه واسم زكريا نجيب بدمائه على جدار المستشفى قبل استشهادهما". وكان دويك متخصصًا في متابعة شؤون العدو ضمن جهاز الاستخبارات العسكرية لكتائب القسام، فيما تولى نجيب مسؤولية قسم الإسناد في القدس، إلى جانب تنظيم الخلايا العسكرية.

كما برز الشهيد نائل السخل في مجال إسناد العمل المقاوم بالضفة الغربية، حيث دعم الكتائب المسلحة ماليًا، أبرزها عرين الأسود في نابلس، وشارك في التخطيط للعمليات الميدانية، بما في ذلك إحدى عمليات حوارة التي أسفرت عن قتلى وإصابات في صفوف جنود الاحتلال، وفق الفاخوري.

ويقول الفاخوري إنّ من بين الشهداء الآخرين الذين تركوا بصمة واضحة: "أمجد أبو عرقوب، بلال زراع، أيمن أبو داوود، مهدي شاور، مؤيد القواسمة، نضال أبو شخيدم، وخويلد رمضان؛ الذين برزوا في العمل الأمني، خصوصًا في مجال أمن المعلومات ومتابعة ملف الضفة الغربية. كما ركّز الشهيد عبد العزيز صالحة جهوده على الإعلام وجمع المعلومات وتحليلها، فيما لعب الشهيد مراد الرجوب دورًا إسناديًا في منطقة جبل الخليل، بالعمل الجماهيري والتنظيمي والميداني، إلى جانب مهامه الأمنية ضمن جهاز الشرطة في غزة.

وتشمل القائمة أيضًا الشهيد عبد الله أبو سيف في دائرة الإسناد عن الخليل، وسالم ذويب في إسناد بيت لحم، وطارق حليسي في دائرة الإعلام الموجه ضد الاحتلال، فيما تولى الشهيد فرسان خليفة ملف الشهداء في إقليم الضفة.

ويتطرق الفاخوري إلى الناشطين في مجالات أخرى، مثل الشهيد محمد حمادة الذي كان مسؤول الإعلام المركزي والناطق باسم حماس عن القدس. وفي العمل المجتمعي قدّم الشهيد "علي المغربي" تجربة في المجال الخيري واللوجستي والإغاثي على مستوى الضفة وغزة، وكان مؤسس جمعية "قوافل الخير"، ما جعله معروفًا لدى أهالي قطاع غزة في الجانب الإغاثي، كذلك نشط في العمل الخيري بالضفة دون بروز اسمه في كثير من الأحيان.

ويشير الفاخوري إلى أن عددا من بين المحرّرين في صفقة وفاء الأحرار اعتقلهم الاحتلال خلال اقتحامات مجمّع الشفاء الطبي، أو عبر الحواجز، وعددهم 7، هم: "محمود القواسمة، عمر عصيدة، حمد الله الحاج علي، سعيد بشارات، نادر أبو تركي، طارق حساين، ومنصور ريان". 

 ويؤكد الفاخوري أن "ملف الأسرى يظل حساسًا على صعيد الرأي العام الفلسطيني، ويحظى بإجماع وطني واسع، إلا من قبل بعض المتنازلين المهزومين".

ويبيّن أن للأسرى، وخصوصًا المحررين، دورًا واضحًا وبصمة لا يمكن تجاهلها في العمل بعد التحرر، ولهذا يخشى الاحتلال إطلاق سراحهم. مؤكدًا أن شعار المحررين المبعدين إلى غزة من حركة حماس ظل وما يزال "النصر أو الشهادة"، ما جعلهم نشطاء وفاعلين داخل السجون وخارجها، يسعون لتعزيز دورهم في المقاومة.

ويوضح بأن "حماس تعتبر هؤلاء المحررين جزءًا من الشعب الفلسطيني الذي ضحّى على أرضه، وتفخر بهم كما يفخرون بها". مشددًا على أن "حماس تعامل الإنسان الفلسطيني على أنه كيان وقيمة، وتسعى لتحريره من الأسر، ثم توجيه طاقاته في خدمة القضية ومقاومة الاحتلال، واستثمار خبراته التي اكتسبها داخل السجون في دعم المشروع الوطني والمقاومة".

وبحسب الفاخوري فإن الحركة ما عانت يومًا في أقاليمها، خصوصًا الضفة الغربية، من غياب القادة، فحين يغيب قائد يقوم آخر مكانه كما قال الشهيد إسماعيل هنية، وذلك حال الحركة منذ ارتقاء الشيخ أحمد ياسين ومن سبقه ومن تبعه. موضحًا أن التنظيم لم يتأثر بالاغتيالات أو استشهاد القادة، إلا على مستوى الفقد الشخصي.

ويعود ذلك كلّه، إلى أنّ التركيبة التنظيمية في حركة حماس، القائمة على نظام داخلي مرن، تمنح كل شخص يمتلك الكفاءة فرصة لتبوء دور قيادي ومكانة تنظيمية، وهو ما شكّل عاملاً جوهريًا في استمرارية العمل وتجدد طاقاته، بحسب ما يقول الباحث في مركز حضارات للدراسات السياسية والاستراتيجية والأسير المحرر في صفقة "طوفان الأحرار"، عمار الزبن، لـ"شبكة قدس". 

ويشير الزبن إلى أنّ السر وراء نشاط الأسرى المحررين في العمل الكفاحي يكمن في هذه المرونة، إضافةً إلى أن مرحلة الأسر لم تكن مجرد تجربة عابرة، بل كانت فترة إعداد وتأهيل فكري وتنظيمي وجهادي، صقلت قدرات الأسرى على الاستمرار بعد الإفراج عنهم.

ويلفت الزبن إلى أنّ الأسرى المحررين الجدد في صفقة طوفان الأحرار الذي تحرروا بعد 19 يناير العام الجاري، يحملون طاقات أكثر ديناميكية من سابقين لهم، إذ شهدت السجون بعد عام 2012 تغييرات فتحت آفاقًا جديدة لظهور قيادات شابة مارست العمل القيادي أكثر من السابق. بعض هؤلاء المحررين تتراوح أعمارهم في الأربعينات، وقد حصلوا على درجات علمية عليا، من البكالوريوس إلى الماجستير والدكتوراه، ما أضاف بعدًا معرفيًا وتنظيميًا جديدًا للعمل الكفاحي.

كما أنّ غياب ما يمكن تسميته بـ"الحرس القديم" يضمن أن الوصول إلى الصفوف المتقدمة في العمل العسكري والتنظيمي والسياسي ليس محصورًا، بينما تلعب التربية الداخلية في الحركة دورًا محوريًا، إذ تعلّم أن العمل الجهادي مستمر، وأن مهمة الأسير لا تنتهي بانتهاء فترة اعتقاله، بل تمتد لتشمل خدمة القضية بعد الخروج من السجن.

وبناءّ على ذلك، يفهم الهدف من استهداف الاحتلال للأسرى المحررين؛ وذلك لإدراك الاحتلال أهمية دورهم الاستراتيجي. فقد أثبتت تجارب عديدة، أبرزها تجربة الشهيد يحيى السنوار، أن هؤلاء المحررين أصحاب مشروع مقاوم، قادرون على الانخراط في المقاومة بشكل جاد. ويقول الزبن إن تجربة صفقة "وفاء الأحرار" كانت مؤلمة للاحتلال، ما دفعه لاستهدافهم داخل قطاع غزة وخارجه، كما حدث مع الأسير المحرر زاهر جبارين، أحد أعضاء الوفد المفاوض في حماس. 

ويلفت الزبن إلى أنّ الأسرى المحررين وخصوصًا المبعدين منهم، يحملون ما يُعرف بـ"النظرية الصفرية"، أي أنهم لا يملكون ما يخسرونه، وهو دافع أساسي لاستكمال مشروع المقاومة، ما يفسر محاولة الاحتلال المتكررة للاغتيال وخلق حالة ردع لمنع بروز قيادات جديدة مشابهة.

ويقول الزبن إنّ تجربة الأسرى المحررين في صفقة وفاء الأحرار تمثل مصدر إلهام لهم، فدورهم يحتذى به ويُعد مؤثرًا في مختلف المجالات، من الإعلام مثل محمد حمادة، إلى الأعمال الخيرية عبر علي المغربي، والعمل التنظيمي على يد ياسين ربيع. هذه الخبرات تؤكد قدرة حركة حماس على استيعاب الأسرى المحررين، واستثمار كفاءاتهم في خدمة المشروع الوطني والمقاومة.

للمزيد من التفاصيل: إضغط هنا