Skip to main content

قراءة إسرائيلية في اتفاق وقف إطلاق النار في غزة

09 تشرين الأول 2025
مراسلو الجزيرة نت

قراءة إسرائيلية في اتفاق وقف إطلاق النار في غزة

جيش الاحتلال يستعد لإعادة الانتشار وسحب قواته من قطاع غزة بموجب اتفاق وقف إطلاق النار (الجيش الإسرائيلي)

محمد وتد

Published On 9/10/20259/10/2025|آخر تحديث: 22:11 (توقيت مكة)آخر تحديث: 22:11 (توقيت مكة)

حفظ

القدس المحتلة- أثار إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) موجة من الارتباك في تل أبيب، إذ جاء من واشنطن قبل أن تعلن الحكومة الإسرائيلية موقفها الرسمي، ما كشف حجم الضغوط الأميركية على رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب في غزة.

ورغم الترحيب الرسمي المتحفظ، ساد في الأوساط السياسية والعسكرية الإسرائيلية شعور بالخيبة باعتبار أن الاتفاق أنهى الحرب دون تحقيق أي من أهدافها المعلنة، واعتبرت القراءات أن النتيجة الحقيقية هي أن تل أبيب خاضت أطول وأعنف حرب في غزة، لكنها خرجت منها أضعف سياسيا وأكثر عزلة دوليا.

كما اتفقت التحليلات على أن حكومة نتنياهو فشلت في تحقيق الغاية الإستراتيجية المتمثلة في القضاء على حماس أو تفكيك قدرتها العسكرية والسياسية، وأن جيش الاحتلال حقق إنجازات تكتيكية محدودة مثل تدمير أنفاق ومخازن سلاح، لكنه لم ينجح في كسر البنية التنظيمية أو الشعبية للحركة.

خسارة إسرائيل

ووفق توصيف مراقبين، فقد خرجت حماس من الحرب أقوى سياسيا، بعدما نجحت في الصمود رغم الحصار والتدمير، ورسخت نفسها كقوة تمثل الشعب الفلسطيني والمقاومة.

كما أجمعوا على أن تل أبيب خسرت المعركة الدولية، إذ واجهت تحولا في الرأي العام العالمي، مع تصاعد الانتقادات الأوروبية وتنامي التعاطف الشعبي مع الفلسطينيين لمستويات غير مسبوقة منذ حرب النكبة عام 1948.

وكتب الباحث في تاريخ الشرق الأوسط من جامعة تل أبيب إيال زيسر أن "ما لم تستطع السلطة الفلسطينية تحقيقه في 20 عاما، نجحت فيه حماس خلال عامين من الحرب"، وأن الحديث عن حل الدولتين عاد بقوة إلى الأجندة الأميركية والدولية.

ويرى زيسر في مقال بصحيفة "يسرائيل هيوم" أن هذه التطورات تحد من قدرة إسرائيل على فرض تسوية أحادية الجانب أو استئناف الحرب، لأن أي تصعيد جديد سينظر إليه على أنه نسف لمسار سياسي محتمل نحو إقامة دولة فلسطينية. وأوضح أن خطة ترامب تمثل خارطة طريق جديدة نحو هدف لم يُعلن صراحة، لكنه حاضر بين سطورها، وهو إقامة دولة فلسطينية.

إعلان

وباعتقاده، تتميز الخطة عن اتفاقية أوسلو ليس بمضمونها السياسي فحسب، بل بأسلوب صياغتها، إذ جاءت كإملاء أميركي إسرائيلي يفرض واقعا جديدا تحت شعار "السلام الاقتصادي" و"التطبيع الإقليمي"، مقابل الاتفاقية التي قامت على تفاوض مباشر وثقة متبادلة بين الطرفين.

وحذر زيسر من أن الموافقة الإسرائيلية على الخطة تحمل مخاطر إستراتيجية بعيدة المدى، لأنها تُخرج المبادرة السياسية من يد تل أبيب نفسها، وتجعل مصير التسوية مرتبطا بإرادة الأطراف الدولية والعربية.

مرحلة معقدة

من جانبه، يرى المحلل العسكري في موقع "زمان يسرائيل" أمير بار شالوم أن تل أبيب تقترب من مرحلة جديدة ومعقدة في إدارتها لقطاع غزة، عنوانها "الضبط الإقليمي" لا "الهيمنة العسكرية".

ويوضح أنه بينما يفتح الاتفاق الباب أمام عودة المحتجزين الإسرائيليين، فإنه في المقابل يقيد حرية إسرائيل العسكرية والسياسية، ويفرض عليها معادلة إقليمية جديدة تعيد رسم موازين القوى بعد عامين من الحرب.

ويعتقد أن أميركا لن تمنح غطاء سياسيا جديدا لحكومة نتنياهو، وسيطالب المجتمع الدولي بخطوات سياسية ملموسة نحو حل الدولتين، في حين الداخل الإسرائيلي يعاني من انقسام حاد وأزمة ثقة بالحكومة، وحذر من أن أي عودة إلى العمليات العسكرية قد تفجر مواجهة مع واشنطن وتعمق عزلة تل أبيب الدولية.

وحسب بار شالوم، تتجه غزة نحو هيكل جديد من إدارة التهدئة الإقليمية، حيث تسعى الدول العربية، وفي مقدمتها مصر، إلى تقييد يد إسرائيل ومنعها من استئناف العمليات العسكرية. ويرى أن ما يسميه "الخط الأصفر" الذي رسمه ترامب في خريطته السياسية لغزة، يمثل الحدود الجديدة لقدرة تل أبيب على المناورة.

قوات لواء كفير نفذت عمليات داخل مدينة غزة قبل انسحابها وإعادة انتشارها (الجيش الإسرائيلي)

ويقابل هذا الخط ما يسميه جيش الاحتلال "المناطق الرمادية"، وهي مجالات نفوذ استخباري وأمني محدود تسعى إسرائيل للاحتفاظ بها داخل القطاع دون العودة إلى الاحتلال أو الإدارة المباشرة. لكن هذه المعادلة -وفق بار شالوم- هشة ومعرضة للاهتزاز، إذ تعتمد على استمرار التنسيق الأميركي المصري، وعلى قبول حماس والدول العربية بمعادلة الردع الجديدة.

ويخلص إلى أن إسرائيل -رغم عودة المحتجزين- لم تحقق نصرا حاسما، بل دخلت مرحلة تقييد إستراتيجي ترسم فيها حدود حركتها من الخارج أكثر مما تُرسم من داخل مؤسساتها الأمنية. ويرى أن المؤسسة العسكرية تسعى للحفاظ على هامش ردع يتيح لها التحرك ضد أي خرق، مع الحرص على عدم تجاوز "الخطوط الصفراء" التي حددها ترامب.

وبشأن اليوم التالي للحرب، يعتقد بار شالوم أنه ليس نهاية الحرب بل بداية نظام إقليمي جديد تشارك في صياغته واشنطن والقاهرة، في حين تواجه إسرائيل اختبار الحفاظ على أمنها وردعها في معادلة لم تعد تملك السيطرة الكاملة عليها.

مكاسب حماس

أما المحلل السياسي في القناة 12 الإسرائيلية يارون أفراهام فيرى أن الاتفاق يمثل تحققا لهدف إعادة جميع المحتجزين الـ48 دفعة واحدة، وهو إنجاز يقدم من قبل نتنياهو على أنه "نصر إنساني وأمني" يعيد بعض الثقة المفقودة لدى الجمهور الإسرائيلي بعد عامين من الحرب.

إعلان

ويقول إن الحكومة نجحت في تحقيق توازن بين استعادة الأسرى والحفاظ على الردع، مع استمرار السيطرة الأمنية على الحدود والمعابر من دون تراجع ميداني. كما عزز الاتفاق التحالف مع إدارة ترامب، وأعاد لإسرائيل جزءا من مكانتها الدولية بعد الحرب، في ظل استعادة واشنطن لدورها القيادي في المنطقة.

في المقابل، لا يخفي أفراهام أن حماس خرجت بمكاسب ملموسة، إذ نجحت في فرض إطلاق سراح جماعي للأسرى الفلسطينيين، والحصول على مساعدات إنسانية واسعة النطاق إلى قطاع غزة، إلى جانب ضمانات دولية واضحة لوقف الحرب.

ولفت إلى أن الاتفاق لم يتضمن نزع سلاحها أو تحديد جدول زمني لذلك، ما يعني أن الحركة احتفظت بمكانتها السياسية والعسكرية في القطاع، ونجحت في تأجيل أي استحقاق إستراتيجي قد يضعف بنيتها.

ويخلص إلى أن الاتفاق جاء نتيجة معادلة معقدة من التنازلات المتبادلة، وبالنسبة لإسرائيل، فهو إنجاز إنساني ودبلوماسي يعيد جميع المحتجزين ويمنح الحكومة متنفسا سياسيا. أما بالنسبة لحماس، فهو انتصار سياسي ومعنوي يعزز حضورها الشعبي في الشارع الفلسطيني، ويكرسها لاعبا لا يمكن تجاوزه في أي تسوية مستقبلية.

وبين "نصر إنساني" في تل أبيب و"نصر رمزي" في غزة، يرى أفراهام أن النتيجة النهائية للاتفاق تكرس واقعا جديدا في المنطقة، فإسرائيل استعادت محتجزيها، لكنها لم تستعد كامل ردعها، في حين نجحت حماس في ترسيخ بقائها السياسي والعسكري وسط اعتراف دولي ضمني بدورها في المرحلة المقبلة.

المصدر: الجزيرة

للمزيد من التفاصيل: إضغط هنا