Skip to main content

المطلوب “سحب” تعميم وزير العدل..

10 تشرين الأول 2025

قام وزير العدل بخطوة لها أكثر من مبرّر جوهريّ. أصدر تعميماً إلى كتّاب العدل في الجمهوريّة اللبنانيّة يوجب عليهم التشدّد في معرفة خلفيّات الأشخاص الذين يجرون لديهم أيّ نوع من أنواع المعاملات، بما في ذلك معاملات التوثيق والتصديق والتفويض والبيع ونقل الملكيّة.

الهدف من تعميم الوزير عادل نصّار هو منع المصادقة على أيّ معاملة مهما كان نوعها لأشخاص مدرجين على لوائح العقوبات الوطنيّة أو الدوليّة، سواء كانت عقوبات صادرة عن مجلس الأمن الدولي أو وزارة الخزانة الأميركية أو الاتّحاد الأوروبيّ.

أثار تعميم وزير العدل ردود فعل لا تتعلّق بنوايا الوزير نصّار أو بالمبرّرات المشروعة التي دفعته لإصدار تعليماته، بل تتعلّق حصراً بإمكان تطبيق التعميم وقدرة كتّاب العدل على تنفيذ أحكامه. فالهدف الذي سعى إليه الوزير هو التضييق على تبييض الأموال ودخول الأموال غير المشروعة إلى البلاد، بعدما أصبحت سمعة لبنان الدوليّة سيّئة في هذا المجال. وكما خلق “الحزب” جيشاً رديفاً ودولة رديفة، فقد أنشأ أيضاً نظاماً ماليّاً موازياً لتمويل جيشه ودولته عن طريق تبييض الأموال.

تحسين السّمعة وتلافي الصّعوبات

بذلك أصبح لبنان ساحة مكشوفة لاستقبال الأموال “غير النظيفة” والتعامل بها عن طريق تهريب الأموال النقدية وإخفاء الأشخاص المشبوهين عبر توكيلات وهميّة وشركات صوريّة، علاوة على تنفيذ معاملات قانونيّة أمام كتّاب العدل بواسطة وكلاء أو أسماء وسيطة تُخفي أصحاب الحقّ الاقتصادي الحقيقيّين. لذلك بادرت مجموعة العمل الدولية في تشرين الأوّل من العام الماضي إلى إدراج لبنان ضمن لائحتها الرماديّة بسبب “ضعف الإجراءات التي تتبعها الحكومة اللبنانية في مكافحة غسل الأموال والفساد وتمويل الإرهاب”، على حدّ قول المجموعة.

بات لبنان ضمن البلدان التي يتوجّب عليها تحقيق شروط المجموعة لإخراجه من اللائحة وكي يحسّن السمعة الدولية لنظامه الماليّ ويتلافى الصعوبات في التعاملات الماليّة الدوليّة والعسر في تدفّق الاستثمارات إليه.

للإنصاف، كان الوزير عادل نصّار في طليعة المسؤولين الذين تحرّكوا لتحقيق شروط مجموعة العمل الماليّ وإزالة الشكوى الدولية من الثغرات التي يشكو منها النظام الماليّ اللبنانيّ، والتي تسمح للأموال القذرة بالتسرّب إليه وتسميم علاقته بالنظام الماليّ العالميّ. فقد بادر الوزير نصّار في وقت مبكّر إلى تشكيل لجنة من قانونيّين بارزين عهد إليها “تنفيذ الإجراءات التصحيحيّة المطلوبة من وزارة العدل، وفق الخطّة الموضوعة من قبل المجموعة الدوليّة، لإخراج لبنان من اللائحة الرماديّة”. ومن الممكن أن يكون التعميم الذي أثار الشكاوى والاعتراضات هو باكورة أعمال اللجنة.

لا يكفي حسن النيّة وحده لكي يتحصّن المسؤول ضدّ غضب الرأي العامّ. فقد تعرّض تعميم وزير العدل للانتقاد لأنّه رمى على عاتق كتّاب العدل مهامّ لا يستطيعون القيام بها، فهم لا يملكون الوسائل التي تمكّنهم من معرفة الأشخاص الخاضعين للعقوبات الدولية. يقضي الطريق القانوني السليم بإصدار أحكام قضائيّة لبنانيّة تسمّي الأشخاص المعنويّين والطبيعيّين الخاضعين للعقوبات وإبلاغ هذه الأحكام إلى كتّاب العدل. وكان من الأفضل مصادقة مجلس الوزراء على لوائح الأشخاص المعنويّين والطبيعيّين المعاقبين دوليّاً.

رمي المسؤوليّة؟

إلّا أنّ الحكومة أرادت أن تنأى بنفسها عن تبنّي العقوبات الخارجيّة، منعاً للحرج السياسي تجاه القوى السياسية المحليّة المستهدَفة بالعقوبات، فرمت هذه المسؤوليّة على عاتق كتّاب العدل.

حدّد قانون تنظيم مهنة كتّاب العدل مهمّة كاتب العدل كموثّق للعقود وضامن لصحّتها الشكليّة والقانونيّة، فيما التعميم يضع كاتب العدل في موقع الرقيب الماليّ الذي يتدخّل في العلاقات التعاقديّة بين الأشخاص، وهو أمر مخالف للدستور اللبنانيّ. هذا واستقرّ اجتهاد مجلس شورى الدولة على أنّ “التعاميم الوزاريّة لا تملك قوّة تشريعيّة ولا يجوز أن تُنشئ التزامات أو حقوقاً جديدة غير منصوص عليها بالقانون”، وأن لا سلطة لوزير العدل تمكّنه من تقييد صلاحيّات الأفراد في إجراء تصرّفاتهم.

خلاصة القول أنّ لمبادرة وزير العدل ما يبرّرها، بل هي مبادرة لتحسين صورة لبنان في العالم وتطبيع أقنية التواصل بين النظام الماليّ اللبنانيّ والنظام الماليّ العالميّ. لكنّ الشكل الذي جاءت به المبادرة ليس مدروساً بالقدر الكافي، ومن الأفضل سحب التعميم وإعادة درسه في ضوء الاعتبارات العمليّة والأحكام القانونيّة والدستوريّة.

غسان العيّاش - اساس ميديا

The post المطلوب “سحب” تعميم وزير العدل.. appeared first on أخبار الساعة من لبنان والعالم بشكل مباشر | Lebanonfiles | ليبانون فايلز.

للمزيد من التفاصيل: إضغط هنا