
كتب شاربل الغاوي في الديار - حين تنبعث موسيقى زياد الرحباني من جديد بصوت كارول سماحة، تشعر أن الذاكرة اللبنانية استعادت أنفاسها القديمة، أن المدينة رجعت تتنفس على وقع بيانو يائس، وحنجرةٍ تعرف تماما كيف تترجم وجع الذكاء العاطفي الرحباني. "ما بتنترك وحدك" ليست أغنية عابرة، هي رسالة ممهورة بخطٍّ رحباني كلاسيكي، تنزف شجنا وتعبق حنينا.
الكلمة… بين الحنين والخذلان
كلمات زياد هنا تشبهه: حوارٌ داخليّ متعب، بين من غادر ومن بقي. تبدأ الجملة كعتبٍ هادئ، ثم تتحوّل إلى مواجهةٍ مع الغياب: "ما بتنترك وحدك يوم بتروح / وين العطف وين العشق والروح".
اللغة بسيطة، لكنها مشبعة بعمقٍ نفسيٍّ رهيف، فيها انكسار الكبرياء أمام الحب، وتمرّد الوعي على التعلّق. زياد يكتب كما لو أنه يعيد رسم وجوهٍ قديمة في ذاكرته، بالكلمة لا بالفرشاة.
اللحن… مرآة عمرٍ لا يشيخ
اللحن قطعة من حياة زياد نفسه. فيه تلك النوطة التي تتأرجح بين الحزن والفلسفة، وفيه الحوار الأبدي بين البيانو والوجدان. لا يفاجئنا أن نشعر بأن الأغنية مكتوبة لليل بيروتي، لمقهى هادئ، لصوتٍ يتسلّل ويستقر في القلب كصدى بعيد.
اللحن لا يريد أن يرضي الأذن فقط، بل يوقظ العقل، كما يفعل زياد دائما. اللحن كأنه يقول: "فكّر وأنت تتألّم".
التوزيع… تواطؤ الجمال مع الحنين
التوزيع الموسيقي هنا درس في التوازن: لا استعراض، لا مبالغات إلكترونية، فقط مساحات صوتية واسعة تتيح للكلمة أن تتنفّس. الآلات الكلاسيكية، من الوتريات إلى البيانو، تتكامل كأنها أوركسترا من الذاكرة. كل جملة لحنية تسند الأخرى، كأن زياد نفسه كان في غرفة المكس ينظر بابتسامته الساخرة، يحرّك زرّ الصوت ببرودة العارف.
الأداء… كارول بين الانفعال والسيطرة
كارول سماحة لا تؤدّي هنا، بل تعيش النص. تُمسك الجملة بوعيٍ مسرحيٍّ رصين، ثم تطلقها بصوتٍ محمّلٍ بالخبرة، كمن عرف الحب وخسرَه وعاد يكتبه غناءً. صوتها في هذه الأغنية دافئ، متزن، لا ينفجر ولا ينكسر، بل يلمّ الحكاية بنبرة أمينة لزياد، لا تقلّده بل تحاوره. هي لا تغنّي زياد، هي تستدعيه.
الروح… زياد حيّ في كل نغمة
من يسمع "ما بتنترك وحدك" لا يستطيع أن يفصل بين اللحن والكلمة والذاكرة. كأن زياد نفسه كتبها في تلك الليلة الطويلة التي لم تنتهِ، وكارول فقط جاءت لتُكمل الحكاية. هي أغنية تذكّرك أن زياد لا يموت، لأنه ببساطة علّمنا أن نحبّ الفكر في الموسيقى، وأن نحزن بذكاء، وأن نغنّي من وجعٍ يشبه الحقيقة.
"ما بتنترك وحدك" ليست مجرّد عودةٍ إلى زمن زياد… بل امتداد لروحه. هي لحظة التقاء بين فنانة تعرف كيف تحتضن النغمة، وعبقريٍّ كتب الموسيقى كما تُكتب القصائد الخالدة. إنها أغنية لا تُسمع فحسب… بل تُعاش.
The post كارول سماحة… وصوت زياد الرحباني الذي لم يرحل في "ما بتنترك وحدك" appeared first on أخبار الساعة من لبنان والعالم بشكل مباشر | Lebanonfiles | ليبانون فايلز.
للمزيد من التفاصيل: إضغط هنا