
نظّمت جمعية "عدل ورحمة" لقاءها السنوي في دير مار إلياس الكنَيسة - المتن الأعلى، التابع للرهبنة الأنطونية، بعنوان: "لقاؤنا... مسيرتنا نحو الأمان"، "في إطار تعزيز روح الفريق وتجديد الالتزام الإنساني والروحي، وتقييم مسيرة الجمعيّة الاجتماعية والمهنية، والأداء على المستويات كافة، ومراحل تنفيذ البرامج والمشاريع".
خصَّص اللقاء ، بحسب بيان، جلسات لمناقشة التحديات التمويلية واللوجستية، وقُدّمت رؤى مُستقبليَّة لتطوير العمل مع الفئات المهمّشة والمحرومة، واكدت أهميَّة الابتكار والاستدامة في تحقيق الأهداف الإنسانية.
افتُتح اللقاء بكلمة أمين الصندوق الأب طانيوس صعب، شدّد فيها على أهمية العودة إلى جوهر التعاطف الإنساني، وقال : "نحن لا نُشفق على المساجين بل نتعاطفُ معهم. نخدم الإنسان المهمّش الذي سقط أو ظُلم. رسالتنا أن نفتّش عن هؤلاء الأشخاص لنساعدهم، كما فعل يسوع مع المهمّشين"، مؤكدًا بذلك عُمق رسالة الجمعيَّة في خدمة المُهمَّشين بكرامة واحترام، وأن "العمل الإنساني الحقيقي ينبع من محبَّة صادِقة لا من شفقة عابرة، وأن العدالة والرحمة هما أساس كلّ مبادرة ومشروع".
من جهته، أوضح رئيس الجمعية الأب الدكتور نجيب بعقليني، أن "اللقاء لا يقتصر على تقويم الأداء، بل يتعداه إلى التأمّل والحوار الجماعي البنّاء"، معتبرًا أن "العاملين في الجمعية عاملون في حقل المحبَّة والإنسانيَّة"، داعيًا إلى "المُثابرة رغم التحديَّات الاقتصاديَّة والضُّغوط الاجتماعيَّة المُتزايدة".
وأشار إلى أن "الجمعيَّة تمرّ في مرحلة دقيقة، لا سيّما من ناحية التمويل، وهو واقع تواجهه جمعيَّات محليَّة ودوليَّة بسبب الانكماش الاقتصادي العالمي وتراجُع الدعم، في ظل تفاقُم الأزمات والحروب والانتهاكات التي تهزّ العالم"، مُعتبرًا أن "هذا التراجع يشير إلى أزمة أعمق تمسّ القيم الإنسانيَّة والأخلاقيَّة، وتدعو إلى إعادة إحياء روح التضامن العالمي".
وركّز على "ضرورة المضي قُدمًا في تحقيق البرامج والمشاريع التي تطال الفئات الأكثر هشاشة، مثل السجناء، والمُدمنين على المخدرات، والمحرومين من حقوقهم الأساسيَّة، وعلى أهمية تطوير البرامج الاجتماعيَّة وتطبيقها بطريقة مُبتكرة ومهنيَّة، مع دمج التكنولوجيا وتعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص، لضمان استمرارية التأثير الإيجابي على حياة الأفراد والمُجتمعات".
كذلك دعا إلى "بناء قُدرات فريق العمل وتعزيز معارفه ومهاراته، من خلال التدريب المُستمرّ، والتأهيل النفسي والروحي، لإبقاء شُعلة الالتزام متأججة، وتحقيق رسالة الجمعيَّة في الدفاع عن كرامة الإنسان، أيًا كان وضعُه أو ماضيه".
ختم: "لم تكن "عدل ورحمة" يومًا مجرد جمعيَّة، بل هي مسيرةُ نِضال، ومساحة رجاء، وجسرٌ يربط المهمّشين بالأمل".
وتم خلال اللقاء عرض مُفصَّل عن "بيت الإيواء"في الرابية كمركز أساسي لعِلاج الإدمان بالبدائل (OST)، وتقديم خدمات طبيَّة ونفسيَّة واجتماعيَّة لـ220 مستفيدًا، بالإضافة إلى دعم غذائي وعيني. كذلك يستقبل من يفتقرون إلى مأوى أو خارجين من السجن لتأهيلهم مهنيًا، مع الإشارة إلى مشروع جديد لتطوير المركز".
كما تمّ عرض لنشاطات الجمعيَّة في سجن رومية، الشاملة الدعم النفسي والاجتماعي، التحويلات الطبيَّة والقانونية، وتوثيق حالات التعذيب، فضلًا عن جلسات التوعية الصحيَّة، العلاج بالموسيقى، ودورات تعليميَّة حولالإدارة المالية، إلى جانب العلاقة الجيدة مع إدارة السجن التي تسهّل العمل الميداني. وقد جرى التركيز على الاستجابة للحالات الطارئة مع الإشارة إلى نقص التمويل، وافتتاح مكاتب جديدة داخل السجن، في خطوة تؤكّد سعي الجمعيَّة نحو الاستدامة رغم التحديَّات.
تجدر الاشارة إلى أن المشاركين في اللقاء ناقشوا نتائج برنامج الوقاية من التعذيب، الذي يخدم 177 مستفيدًا، ويقدّم خدمات نفسيَّة، قانونيَّة، وطبيَّة داخل السُّجون ومراكز التوقيف، وتوقفوا عند إشادة المفوضية السامية لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة بمهنيَّة الجمعيَّة بعد مراجعة الملفَّات، علمًا أنه تم تنفيذ عدد من إخلاءات السبيل، ودفع كفالات، وتقديم مُساعدات متنوعة. واختُتمت المناقشة بشكر فريق العمل على التزامه وتفانيه في خِدمة الإنسان.
واستمع المشاركون إلى مُداخلة حول آلية الاستعراض الدوري الشامل (UPR) التابعة لمجلس حُقوق الإنسان في الأمم المتحدة، والهادفة إلى مُراجعة أوضاع حقوق الإنسان في الدول الأعضاء كلّ أربع سنوات ونصف، تمّت الإشارة، خلالها، إلى أن لبنان تلقّى عام 2021 ما مجموعه 297 توصية، أيّد منها 179، وهو يستعد لتقديم تقريره الرابع في كانون الثاني 2026 في جنيف، وأن "جمعية عدل ورحمة" شاركت ضمن مجموعة WGPT في صياغة التوصيات الأساسية، أبرزها: إلغاء تجريم تعاطي المُخدَّرات، إلغاء عقوبة الإعدام، دعم استقلالية القضاء ومكافحة الفساد، تعزيز حقوق المرأة وذوي الاحتياجات الخاصة، ضمان حرية التعليم والوصول إلى المعلومات.
اختُتمت المداخلة بتسليط الضوء على التحديَّات القضائية الراهنة في لبنان، مع الإشارة إلى أن التشكيلات القضائية الأخيرة قد تُسهم في تسريع بتّ الملفَّات وتحسين منظومة العدالة، وعلى واقع عقوبة الإعدام في لبنان المنصوصة في قوانين عدة، رغم أن لبنان يُعدّ من الدول التي ألغتها بالممارسة (آخر تنفيذ لها كان عام 2004)، وأن هذه القوانين تستثني بعض الفئات منها، ودعت المُداخلة إلى إلغائها نهائيًا تحت شعار: "لا أحد محميًّا من عقوبة الإعدام، ألغوها الآن"، لا سيما أن لبنان صوَّت عام 2020 لصالح وقف تنفيذ الإعدام في الأمم المتحدة، وأن هذه العقوبة لا تعزّز أمن المجتمعات بل تهدّد إنسانيَّتها.
وكان عرض لمشروع Towards Better Health، بالشراكة مع Expertise France وجمعيَّات محليَّة، بهدف تحسين الوصول إلى خدمات الوقاية والعلاج من فيروس HIV للفئات الأكثر هشاشة، وهو يمتد على 36 شهرًا، ويتضمّن جلسات نفسيَّة وتوعويَّة، توثيق حالات تعذيب، تقديم مساعدات طبية ومالية، وتنظيم حملات توعية.وقد تم التأكيد على أهمية التكامُل بين الرعاية النفسيَّة والطبيَّة والاجتماعيَّة، في إطار احترام الكرامة الإنسانيَّة.
في ختام الخلوة السنوية، ألقى الأب الدكتور ماجد مارون مُداخلة بعنوان "الذكاء العاطفي والرجاء المسيحي"، شدد فيها على دور الرجاء في مواجهة الأزمات، معتبرًا أن الكنيسة ترفع شعار "الرجاء الذي لا يخيب" في عالم مُضطرب، شارحًا مفهوم الذكاء العاطفي كأداة لفهم الذات وإدارة المشاعِر، مؤكدًا تكامُله مع الرجاء المسيحي في تعزيز التوازن الداخلي والثبات، خاتمًا مداخلته بالقول "لا يعني الرجاء انتظار المُعجزة، بل الاستمرار في العمل بإيمان رغم صعوبة الواقع".
اختُتم اللقاء بروح من الأمل والإصرار على الاستمراريَّة رغم التحديَّات، وإجماع الحاضرين على أهمية تعزيز التعاون وتوحيد الجُهود في خدمة الإنسان المهمّش والدفاع عن كرامته، والتأكيد على ضرورة تحويل التحديَّات إلى فُرص من خلال العمل المنظّم والمبني على الشراكة والثقة المُتبادلة. وقد تم الاتفاق على متابعة العمل ضمن محاور أساسيَّة، أبرزها: تعزيز التمويل المحلي وتطوير مُبادرات مُستدامة تضمن استمراريَّة المشاريع بعيدًا عن الاعتماد الكلي على الدعم الخارجي.
توسيع وتطوير البرامج القانونيَّة والنفسيَّة داخل السُّجون وبيوت الإيواء، بما يعزز فُرص إعادة الإدماج الاجتماعي للفئات المُستفيدة.
الحفاظ على روح الفريق وتفعيل التنسيق بين الأقسام، عبر لقاءات دورية وتبادُل الخبرات لتعزيز الفعاليَّة والشفافيَّة في العمل.
واتسم اللقاء- الخلوة بروح العائلة الواحدة، وشكّلت الأحاديث الجانبيَّة فُرصة لتوثيق الروابط الإنسانيَّة وتبادل التجارب، ما أضفى دفئًا خاصًا وبُعدًا إنسانيًا يتجاوز الطابع المهني. وقد أجمع المشاركون على أن "جمعية عدل ورحمة" ليست مجرَّد مؤسسة، بل رسالة إنسانيَّة حيَّة، تنبع من الإيمان العميق بقيمة الإنسان، وتُجسّد التزامًا يوميًا بالعدالة والرحمة، في مُجتمع يحتاج اليوم، أكثر من أي وقت مضى، إلى صوت الحقّ ويد العون.
The post بعقليني: جمعيَّتنا مسيرة نضال ومساحة رجاء وجسرٌ يربط المهمّشين بالأمل appeared first on أخبار الساعة من لبنان والعالم بشكل مباشر | Lebanonfiles | ليبانون فايلز.
للمزيد من التفاصيل: إضغط هنا