.خاص - شبكة قدس الإخبارية: مع الإعلان الإسرائيلي حول شن عملية عسكرية برية في لبنان، والتطورات الأخيرة على الحدود اللبنانية – الفلسطينية بين حزب الله وجيش الاحتلال، تعود إلى الأذهان الأجواء التي سبقت الحرب الإسرائيلية على لبنان عام 1982، أو ما أُطلق عليها إسرائيلياً عملية "سلامة الجليل"، بقيادة رئيس وزراء الاحتلال السابق "آرائيل شارون".
يوم أمس، قال جيش الاحتلال إنه بدأ عملية برية محدودة جنوب لبنان وفقا لقرار المستوى السياسي الإسرائيلي، ولعل مصطلح "العملية المحدودة" هو الأكثر مدعاة للاستغراب والتساؤل حول الاجتياح القادم الذي يهدف إلى إبعاد خطر حزب الله عن الحدود، وتأمين عودة المستوطنين إلى المستعمرات الشمالية، وفق تقارب نسبي مع أهداف العملية العسكرية عام 1982 وشعارات "العملية المحدودة" و"التوغل المحدود".
وفي الواقع لم يقف الاجتياح الإسرائيلي عام 1982 عند الأهداف الإسرائيلية المُعلنة، بل استمر لشهورٍ وصلت خلالها قوات الاحتلال إلى العاصمة اللبنانية بيروت بقيادة وزير حرب الاحتلال آنذاك "آرائيل شارون" ورئيس حكومة الاحتلال "مناحيم بيغن" ووزير خارجية الاحتلال "إسحاق شامير".
في 6 يونيو/حزيران 1982 بدأ الاجتياح الإسرائيلي للبنان، حيث عبرت 4 طوابير مدرعة إسرائيلية إلى داخل الأراضي اللبنانية، مع اختراق أكثر من 250 دبابة وآلاف المشاة خطوط قوات حفظ السلام الدولية "اليونيفيل"، في حين وصلت قوات الاحتلال إلى منطقة الدامور أولاً ثم سيطرت على محور حاصبيا – البقاع ثم فُرض الحصار على مدينة صيدا بالتزامن مع قتالٍ ضارٍ في قلعة شقيف.
قرر مجلس وزراء الاحتلال توسيع الاجتياح لعمق 40 كيلومترا، ليشمل ضرب منصات الصواريخ السورية في البقاع، وواصلت قوات الاحتلال تقدمها في عمق القطاع الشرقي من البقاع وعلى محوري عين عط ا- داشيا الوادي لإتمام سيطرتها على طريق بيروت – دمشق وقد حدث ذلك فعلاً مع غارات جوية عنيفة تركزت على العاصمة اللبنانية بيروت.
في أغسطس/آب 1982 وبعد شهرين من بدء الغزو شهدت مدينة بيروت معارك عنيفة، أبرزها محاولة الاستيلاء على مطار بيروت الدولي، في حين نفذ جيش الاحتلال هجوما واسعا على المطار ومحيطه، تضمن قصفا تمهيديا من البر والبحر.
في الحقيقة، لم يقف العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 1982 إلى حد مزاعم الاحتلال في بدايته، بل حاول في حينها فرض واقع جيوسياسي جديد في المنطقة وتكوين نظام سياسي جديد داخل لبنان وتحطيم منظمة التحرير الفلسطينية والمقاومة اللبنانية وإخراجها من لبنان، فهل سيكرر نتنياهو وجيشه اليوم ذات السيناريو الذي قاده شارون وقادة الاحتلال بعد أكثر من 42 عاماً؟
العملية والارتباط بالميدان
ضمن سياسة إعلامية لا تنفصل عن استراتيجية جيش الاحتلال وأجهزته الاستخباراتية، يمارس الإعلام العبري أسلوب التبريد الإعلامي من جهة، والمراوغة في طبيعة المرحلة القادمة، وذلك ما يندرج تحت إطار الحرب النفسية، وحتى ممارسة البروباغندا الصهيونية على صعيد عالمي وإقليمي، في سبيل السعي لتحقيق أهدافٍ إسرائيلية واسعة على الجبهة الشمالية.
وفي حديث خاص لـ"شبكة قدس" قال الكاتب والمحلل السياسي ساري عرابي إن مجريات العملية البرية في لبنان ترتبط بالمعطيات السياسي والميدانية وفق عملية برية متدحرجة، تقوم بجس النبض واختبار قوة حزب الله، وبناء على ذلك تتحدد الخطوات القادمة.
ويوضح عرابي أن الظروف داخل لبنان وفي الإقليم لا تخدم الاحتلال فإن ذلك سيحدد حجم ومدى العملية البرية وإبقاءها في إطار ضيق، أما إذا كان الحال عكس ذلك وهو الواقع غالباً فمن شأن هذه العملية أن تتوسع في نطاق فرض شريط عازل داخل لبنان، أو حتى تغيير النظام السياسي في لبنان.
ويؤكد عرابي أن هنالك تطلعات ومخططات إسرائيلية أمريكية حول التعامل مع جبهة لبنان، ولكن ذلك يتقاطع كلياً مع مجريات الميدان.
ويرى الكاتب والمحلل السياسي محمد القيق، إن الاحتلال يُخطط لما هو أبعد عملية برية محدودة في جنوب لبنان أو على الشريط الحدودي، على عكس ما يروج له عبر ماكينة إعلامية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالرؤية السياسية والعسكرية في حكومة الاحتلال.
وأضاف القيق أن هدف الاحتلال الحقيق من الهجمات العنيفة على لبنان والمستمرة منذ نحو أسبوعين هو تحطيم قوة حزب الله وإنهاءه وجوده، ضمن مخطط حرب تدميرية حقيقية تتكون من قصف جوي مكثف واجتياح بري واسع النطاق على غرار ما حدث في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر 2023، وهذا ما تتبناه وتسعى إليه حكومة الاحتلال بقيادة بنيامين نتنياهو، وتؤكده تصريحات نتنياهو المستمرة حول ضرورة إنهاء "الأخطار" التي تواجه كيان الاحتلال في المنطقة وعلى رأسها المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة وحزب الله في لبنان.
في ذات السياق قال المختص في الشأن الإسرائيلي ياسر مناع بحديثٍ خاص لـ"شبكة قدس" إن طبيعة العملية البرية الإسرائيلية المُعلن عنها ضد لبنان، من الصعب الجزم بطبيعتها، فيما يرى مناع إن العملية البرية مرتبطة بمقدار قوة المقاومة اللبنانية في مواجهة أي توغل بري إسرائيلي، بمعنى إذا ما تلقى جيش الاحتلال ضرباتٍ قوية ومؤثرة فذلك سيحد من توسعه وتقدمه البري.
علاوة على ذلك يؤكد مناع إن العملية البرية الإسرائيلية تستند أيضاً على المخزون المعلوماتي الاستخباراتي الذي يملكه جيش الاحتلال حول مقدرات وهيكلية حزب الله، وهو ما سيحدد مسار التوغل البري، وفي حالة وجود مخزون معلوماتي واسع لدى الاحتلال حول أهداف حزب الله ومراكزه، فهذا سيستعدي التعمق في العملية البرية.
ويرى مناع أن حكومة الاحتلال وجيشها تمتلك مخططاً جاهزاً حول العملية البرية في لبنان، غير مُعلن عنه في الحقيقه ولم تبدأ بتنفيذه بعد، بينما يقتصر ما جرى خلال الساعات الماضية حول محاولة استكشاف ومناوراتٍ عسكرية على الحدود اللبنانية – الفلسطينية.
تصعيدٌ مستمر ودائرة النار تشمل تل أبيب
من جهة أخرى، أعلن حزب الله في بيانات منفصلة أن عناصره استهدفوا اليوم الثلاثاء تحركا وتجمعا لجنود إسرائيليين في موقع المطلة الإسرائيلي بقذائف المدفعية والصواريخ وحققوا فيه إصابات مباشرة، كما استهدفوا جنودا إسرائيليين عند بوابة مستوطنة شتولا الإسرائيلية بالقذائف المدفعية.
وفي بيان آخر، قال الحزب إن مقاتليه استهدفوا تحركات لجنود الاحتلال في البساتين المقابلة لبلدتي العديسة وكفركلا بالأسلحة المناسبة، وحققوا فيهم إصابات مؤكدة، موضحا أن هذه الهجمات تأتي دعما لشعبنا الفلسطيني الصامد في قطاع غزة ودفاعا عن لبنان وشعبه.
وفي ذات السياق أعلن حزب الله اللبناني عن قصفه مدينة "تل أبيب" وسط فلسطين المحتلة، برشقة صاروخية لأول مرة في تاريخه، بعد أن قصفها بصاروخ واحد من طراز "قادر" الأسبوع الماضي.
وقال حزب الله في بيان، إنه وبنداء لبيك يا نصر الله، أطلقت المقاومة الإسلامية صليات صاروخية من نوع فادي" 4" على قاعدة غليلوت التابعة لوحدة الإستخبارات العسكرية 8200 ومقر الموساد التي تقع في ضواحي "تل أبيب".
وأعلن حزب الله عن سلسلة "عمليات خيبر" رداً على مجازر الاحتلال، ودعماً لشعبنا الفلسطيني الصامد في قطاع غزة وإسناداً لمقاومته الباسلة والشريفة، ودفاعًا عن لبنان وشعبه.
وشن حزب الله سلسلة عمليات على المستوطنات الحدودية ) بالأسلحة الصاروخية والمدفعية بالإضافة لصفد وطبريا و"روش يبنا" و"تل أبيب" ومناطق في وسط فلسطين المحتلة.
للمزيد من التفاصيل: إضغط هنا