خاص - شبكة قُدس: في 8 أكتوبر 2023 كانت حملة الاعتقالات الأولى في الضفة الغربية، بعد ساعات من بدء معركة طوفان الأقصى، لتتكثف بعدها عمليات الاعتقال التي طالت حوالي 4 آلاف فلسطيني في الشهر الأول للمعركة؛ غالبيتهم من الأسرى المحررين والقيادات التاريخية والمؤثرة والصحفيين والنشطاء الفاعلين ومن يقدّر أنهم قد يكونوا جزءا من حالة الإسناد لقطاع غزة، وهذه الفئات من وجهة نظر "المنظومة الأمنية" الإسرائيلية تشكل الخطر الحقيقي المنظم، وكانت هذه الحملة الأكبر والأكثر شمولية في تاريخ الاحتلال مقارنة بالزمن القياسي الذي جرت فيه.
وساهمت التقارير التي بدأت تنتشر عن أساليب التعذيب الشديد في السجون الإسرائيلية، في ردع نسبة كبيرة من الأشخاص الذين يصنفون كنشطاء محتملين، أي من الممكن أن تدفعهم الأحداث الكبيرة كالمجازر إلى التحرك خاصة في النطاق الجماهيري، فبينما كان الهدف من التعذيب الممارس بحق الأسرى ردعهم، فقد ساهم الضخ الإعلامي في هذا الاتجاه في خلق رادع كبير أمام الأشخاص المشار إلى توصيفهم سابقا. وهذه مفارقة مهمة تشغل الإعلاميون الذين ينتمون لخط المقاومة، فمن جهة لا بدّ من إبراز جرائم الاحتلال والتعريف فيها، لكن من جهة أخرى فإن هذه الجرائم قد تؤثر في مواقف آخرين سلبا باتجاه عدم خوض تجربة العمل النضالي.
وبصورة أشمل وأعم، تعاملت "المؤسسة الأمنية" الإسرائيلية مع ساحة الضفة الغربية خلال العقدين الماضيين، على أنها جغرافيا رمادية في المنظور العسكري، والمقصود في ذلك أنها جغرافيا يهدف فيها العمل العسكري إلى منع حالة المواجهة الشاملة، وهذا يتطلب جهدا أمنيا وعسكريا على مدار الساعة ودون توقف، وهو ما يكشف عن حقيقة تنبؤ الاحتلال بخطر هذه الجبهة، وبالتالي سعيه اليومي وعلى مدار الساعة لمنع تراكم أدوات القوة فيها والقضاء على أي محاولة تأتي في سياق إعادة تنظيم الحالة العسكرية أو السياسية أو حتى الجماهيرية فيها، وقد شغلت هذه الساحة العقل الأمني الإسرائيلي الذي ركز كل جهوده ونشاطه الاستخباراتي والعسكري فيها على مدار 20 عاما.
محاذير العمل العسكري في الضفة
وبالتزامن مع هذه الحملات، كثفت الآلة الحربية الإسرائيلية على المناطق التي تشكلت فيها مجموعات تابعة للمقاومة الفلسطينية خلال طوفان الأقصى، خاصة في ضوء أن أحد أهم المحاذير في العمل العسكري الإسرائيلي في الضفة؛ كان وجود جبهة مقاومة في غزة قادرة على إحداث نوع من الردع، ومع وقوع جبهة غزة تحت تأثير الحرب الشاملة، لم يعد لدى الاحتلال ما يمنعه من التعامل بمنطق القوة الغاشمة والمفرطة في الضفة ضد المجموعات التي يكن قد اكتمل مشروعها أمنيا وعسكريا.
ويمكن الإشارة أيضا، إلى أن الجهدين الأمني والعسكري للاحتلال في الضفة الغربية خلال طوفان الأقصى قد تكثف على طول المنطقة الفاصلة مع الأراضي المحتلة عام 1948 وحول المستوطنات وفي الشوارع "المشتركة"، وأصبحت في أولويات "المؤسسة الأمنية" الإسرائيلية منع عمليات متوقعة في العمق، ويمكن للاحتلال بسهولة منع دخول الفلسطينيين إلى هذه المنطقة إذا ما قرر ذلك، وخلال السنوات الماضية كانت ظاهرة العمال غير حاملي التصاريح؛ والذين يتغاضى الاحتلال عن ظاهرتهم لأسباب اقتصادية، واحدة من الثغرات التي أتاحت الفرصة لبعض المقاومين للدخول للأراضي المحتلة، ولكن مع بدء معركة طوفان الأقصى أغلق الاحتلال هذه الثغرة.
حواجز واعتقالات
وفي الحديث عن أساليب ووسائل الاحتلال في ضبط ساحة الضفة الغربية خلال فترة طوفان الأقصى، لا يمكن إغفال ظاهرة الحواجز التي تكثفت أيضا وتضاعف عددها ليصل إلى 250 حاجزا عدا عن الحواجز الطيارة التي أصبحت ظاهرة مقلقة، إذ أن إمكانية الحركة والتواصل بين المدن والقرى والبلدات والمخيمات تعطلت إلى حد كبير، وتمكن الاحتلال بواسطة هذا الأسلوب منع حركة النشطاء - نسبيا - الذين يخشون من الاعتقال، كما أن المنظومة الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية ككل تأثرت، فمثلا بعض الجامعات المهمة تحولت للتعليم الإلكتروني غير الوجاهي، وهي جامعات كانت مصدرا مهما للحشد الشعبي في السياق الوطني.
وفي إطار الحديث عن الجامعات أيضا، شن الاحتلال حملات اعتقال شرسة بحق النشطاء الطلبة طالت مكونات طلابية لم تكن في السابق في دائرة الاستهداف المكثف، وقد جرى اعتقال نشطاء من أحزاب وفصائل لم يكن في السابق يتعرض إطارها الطلابي لملاحقات الاحتلال، فكيف هو الحال بالنسبة للكتل الطلابية المستهدفة على مدار سنوات مثل؛ الكتلة الإسلامية!. من المهم الإشارة في هذا السياق إلى أن الجامعات حافظت نسبيا على مكانتها في الحشد والمناصرة والتحرك الجماهيري خلال السنوات الماضية.
السلطة وعمليات المقاومة
ولا يمكن إغفال دور السلطة الفلسطينية في منع النشاطات الجماهيرية وأيضا عمليات المقاومة، وأصبح من أهم المشاهد المألوفة والمتكررة يوميا هو تفجير أجهزة أمن السلطة لعبوات ناسفة أعدها مقاومون، أو اعتقال مطاردين، أو محاولة تشويه مطاردين ومقاومين في محاولة لرفع الغطاء الشعبي عنهم.
كما أنها سعت بكل قوتها ومن خلال ثقلها الاجتماعي والتنظيمي والأمني في تقليص الإسناد الجماهيري لقطاع غزة، بينما تعمل أدواتها الإعلامية الرسمية وغير الرسمية على تشويه أهداف معركة طوفان الأقصى وحرف الأنظار عن جرائم الاحتلال والاكتفاء بالحديث عن تبعات المعركة اليومية والدمار الذي تحدثه آلة الحرب الإسرائيلية مع تحميل المقاومة مسؤولية ما يجري.
في الخلاصة، ضاعف الاحتلال من أساليب الضبط والضغط في الضفة الغربية، التي ظلت تعاني على مدار عقدين من الزمن من الاستنزاف اليومي لكادرها التنظيمي والجماهيري، ومع ذلك فإن دورها ونشاطها في إطار طوفان الأقصى يمكن وصفه بـ"المعجزة" التي تجاوزت تاريخا كاملا من العمل الأمني والعسكري الإسرائيلي في ساحة تعامل معها الاحتلال على مدار عشرين عاما على أساس نظرية "جز الشعب"، أي "كبح جماح" الفاعل والفاعل المحتمل.
للمزيد من التفاصيل: إضغط هنا