خاص قدس الإخبارية: في ظل التحديات المتزايدة والمعقدة التي تواجه القضية الفلسطينية، يأتي دور الفصائل السياسية والمقاومة في إدارة الصراع وتوجيه مساراته نحو تحقيق الأهداف الوطنية والحفاظ على حقوق الشعب الفلسطيني، بعد 14 شهرًا من الإبادة الجماعية على قطاع غزة، وبدء ضم الضفة الغربية.
"شبكة قدس" تجري حوارًا مع مروان عبد العال، عضو المكتب السياسي في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والموجود حاليًا في لبنان، لاستكشاف الرؤى والتوجهات التي تحملها الجبهة في ظل الظروف الراهنة والمستجدات على الساحة الفلسطينية والإقليمية، تلقي خلاله الضوء على مجموعة من القضايا الهامة بدءًا من إدارة قطاع غزة ومفاوضات التهدئة مع الاحتلال، مرورًا بالتنسيق الفصائلي والعلاقات الإقليمية، وصولًا إلى التحديات الداخلية في الضفة الغربية والعلاقة مع السلطة الفلسطينية وعمليتها العسكرية ضد المقاومة في جنين.
- ما هي الخيارات المتاحة أمام الفصائل بما يتعلق بملف إدارة قطاع غزة وتعنت السلطة الفلسطينية؟
عندما نسأل عن اليوم التالي بعد وقف الحرب، نجيب كما نريد أن يكون فلسطينيًا، لكن كيف؟ دون ترجمة ذلك إلى العمل الفوري والجاد بتشكيل حكومة توافقية وحسب "إعلان بكين"، خاصة في ظل التحديات الكبيرة التي يواجهها الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال وفي مواجهة استراتيجيته الهجومية الواسعة.
حيث يصرّ الاحتلال من موقع غزة أنه في حال وقف إطلاق النار، والانسحاب من غزة، يرفض أن تملأ الفراغ سواء حركة حماس أو حتى حركة فتح، لذلك يروج لمشاريع عدة، فكان لا بد لخطوة فلسطينية إجبارية واستدراكية تقطع الطريق على المخططات المشبوهة، فتم التداول في تشكيل لجنة الإسناد المجتمعي، قدمت ورقة مصرية للفصائل عن جدواها وغايتها ومهامها وطلب ترشيح شخصيات وطنية مستقلة وكفؤة للقيام بالمهمة.
ومع الإصرار على ربطها بمسارٍ وطني شامل وفق روزنامة وأجندة واضحة، بدلاً من اللجنة الإدارية المنعزلة، فلا بد من السياق الوطني الذي يفضي إلى إعادة ترتيب البيت الفلسطيني وترجمة اتفاقات ومواثيق الحوار الوطني الفلسطيني، من خلال الربط بين المسار الإداري الخدماتي الخاص والسياسي الوطني العام، وأن تكون الحكومة مرجعيتها وبقرار رئاسي وهذا لم يصدر بعد، بما يشي بالسلبية في التعاطي مع هذا الملف.
- ما هو مستوى التنسيق بينكم وبين حركة حماس بملف مفاوضات التهدئة؟ وهل يمكن أن نعتبر أن المفاوضات تجري بشكل جماعي من قبل فصائل المقاومة؟
الجبهة الشعبية تؤمن بالشراكة الوطنية والعمل الجماعي، سواء كان ذلك بالتنسيق الميداني والعملي للمقاومة أو القواسم المشتركة السياسية، أو حرصها على مأسسة العمل الوطني.
وقبل وخلال طوفان الأقصى، بادرت الجبهة لتقديم تصوراتها لبناء جبهة مقاومة موحدة، استكمالاً لغرفة العمليات المشتركة، لأنها تؤمن بمفهوم إدارة القوة بشكل موحد وضمن استراتيجية شاملة تفرضها مرحلة التحرر الوطني.
وسياسيًا، كانت الجبهة الشعبية أول من طرح مع قيادة حركة حماس فريقًا وطنيًا للتفاوض غير المباشر في ملف إنهاء الحرب وعقد صفقة مشرفة تعيد الأسرى، وكان هناك ترحيب بالفكرة ولخصت للتداول لدى الحركة وفصائل المقاومة، وعقدت لقاءات ثنائية وثلاثية، لكن هناك التعقيدات الميدانية ومسارات الحرب وما فرضته من وقائع جديدة حالت دون ذلك، فجرى مقاربة الأمر بالتشاور المباشر في القضايا المطروحة قبل وبعد الجولات التفاوضية وقراءة مشتركة للأفكار والتي تقوم بها حركة حماس الموكلة لها هذا الملف.
والمشاركة هنا تأتي بالتفاعل، والجبهة لم تهمل أي تواصل ممكن، وهي تعتبر أن هذا الملف وطني بامتياز وهي معنية فيه ومن أولياء الدم فيه، وشراكة الدم تفترض شراكة القرار، لذلك تسعى لتقديم الآراء بشكل دائم وتقويم المواقف التي تجدها تصب في المصلحة الفلسطينية العليا، بمضمون وطني بعيدًا عن أي مظهرية أو مصلحية أو استعراض.
- كيف تنظرون للتصعيد الفلسطيني الداخلي في الضفة الغربية؟ وكيف تصنفون شن السلطة لحملتها الأمنية في مخيم جنين في هذا التوقيت بالذات؟ وهل من رابط بين هذا السلوك وبحث مستقبل الحكم في قطاع غزة؟
الضفة الغربية، التي تقع في قلب الاستراتيجية الصهيونية، مستهدفة بمشاريع الاستيطان والضم والتهويد والتهجير والمزيد من فرض القوانين لمصادرة الأرض وما يُطلق عليه قادة الصهاينة "فرض السيادة".
في الضفة، تتزاحم جيوش الاحتلال ومليشيا الاستيطان وأمن السلطة ومجموعات المقاومة، مما يضفي قتامة ومأساوية على المشهد، وتزداد المواجهات بين المقاومين والسلطة، خصوصًا في المناطق الشمالية من الضفة مثل جنين وطولكرم.
إراقة الدم الفلسطيني وشيطنة المقاومة تضيف مخاطر متزايدة على القضية الفلسطينية، خاصة في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها الفلسطينيون في الضفة الغربية، وذلك في ظل اقتحامات جيش الاحتلال ومستوطنيه للمخيمات وانتهاكاته لباحات الأقصى وإقامة شعائر يهودية لتغيير الوضع التاريخي للقدس، والتي تُعد جريمة حرب بحق شعبنا.
وفي ظل الحرب على شعبنا في قطاع غزة والحديث عن وقف إطلاق النار، يضعنا ذلك أمام استحقاق وطني لا يتم فقط من موقع الاستجابة للدور الأمني للسلطة وتأكيد جدارتها في الحكم. فالإدارة الأمريكية التي تطالب بسلطة متجددة تعني سلطة تابعة، بوظيفة تخدم الاحتلال، وهذه التحديات تتطلب استراتيجية فلسطينية موحدة تستند إلى رؤية سياسية واضحة وتعاون بين جميع الأطراف الفلسطينية، بعيدًا عن المصالح الضيقة.
إن المقاومة حق مشروع أمام الشعب الفلسطيني في ظل هذه الظروف، خاصة في مواجهة المخاطر التي تهدد فلسطين على الصعيدين الداخلي والخارجي.
- ما هو موقفكم من محاولات السلطة دعشنة مجموعات المقاومة وهل هذا يمنح الاحتلال مبررا اضافيا للإبادة القائمة أصلا؟
دائمًا، الحسابات الخاطئة ستعطي نتائج خاطئة وستكون الكلفة باهظة، ويدفع ثمنها الجميع، فالكلمة مسؤولية في مشهد تراجيدي يتجه نحو منحدر خطير قد يؤدي إلى إهدار الدم الفلسطيني.
وأن هذه الحملة لن تحقق أهدافها سوى بإشعال المزيد من التوتر، لتصب في مصلحة الاحتلال فقط. لأننا نعتبر أن سلاح المقاومة هو سلاح شرعي، وأن المقاومين ليسوا خارجين عن القانون، والخارجون عن القانون يحكمهم القانون، لكن المواجهة الأمنية ليست الحل. بل هم حماة الشعب والمدافعون عنه في مواجهة جرائم الاحتلال.
والاحتلال نفسه لم يتمكن من اقتلاع المقاومة، ولا قتلها بالشيطنة، البديل هو الذي طرحته الجبهة وبتفاعل مع شخصيات وفعاليات وطنية واجتماعية، بضرورة تشكيل لجنة وطنية لمحاصرة الفتنة وتداعياتها وإعادة الأمور إلى نصابها بما يحفظ السلم الأهلي والمجتمع.
- ما موقفكم من تصريح قادة السلطة والأجهزة الامنية انه العملية في جنين سقفها السياسي مشروع منظمة التحرير؟
نحن نرى مشروع أوسلو وملحقاته الأمنية كخط معاكس تمامًا للمشروع الوطني الفلسطيني، بل إنه يهدف إلى تدمير المشروع الوطني.
السقف السياسي للمشروع الوطني، كما نراه، يجب أن يكون بحماية شعبنا من جرائم المستوطنين وجنود الاحتلال ويفترض أن يكون أولوية بالنسبة للسلطة والمنظمة، لذلك بادرنا للتعبير عن موقفنا الذي طالب السلطة بالتراجع الفوري عن هذه الحملة، وسحب قواتها من مدينة جنين ومخيمها، ورفع الحصار عنها، حتى لا تنتقل هذه الأحداث المؤسفة إلى مناطق أخرى.
وقد أصدرنا في الجبهة الشعبية بيانًا ثلاثيًا مع حركتي حماس والجهاد وكذلك التواصل مع قيادة حركة فتح حول الأحداث المؤسفة في جنين، مشددين على ضرورة العمل الجماعي لتفويت الفرصة على الاحتلال من خلال وقف الحملة الأمنية للسلطة وإنهاء جميع مظاهر الفتنة.
ودعونا إلى إطلاق حوار وطني عاجل يضم كافة القوى الوطنية والشعبية، بهدف احتواء الأحداث وتصنيف المظاهر السلبية التي يقف الجميع ضدها وبين ظاهرة المقاومة التي هي أنبل ما في تاريخنا، ولتجنيب شعبنا ويلات الفتنة، والنفخ الإعلامي الذي يسهم بإشعال المزيد من التوتر، لتصب كلها في مصلحة الاحتلال فقط.
- من هو صاحب المشروع في منظمة التحرير؟ ومن الذي يستطيع الحديث باسمها؟ ولماذا لا تبدي الشعبية موقفا واضحا من هذا الإسقاط السياسي باسم المنظمة على عمليات امنية ضد المقاومة؟
علينا تصويب المفاهيم؛ منظمة التحرير ملك للشعب الفلسطيني، ولذلك نرفض حصر المنظمة في إطار ائتلافها الراهن في القوى المشاركة في هيئاتها، والجبهة الشعبية، تنظيم مؤسس فيها، لكن عضويتها معلقة في هيئاتها المذكورة التنفيذية والمركزية احتجاجًا على إلحاقها بالسلطة.
نطالب بأن تكون المنظمة كيانًا سياسيًا جامعًا لوحدة شعبنا الفلسطيني وبرنامجًا وطنيًا جامعًا لمواجهة التحديات الكبيرة والخطيرة في أصعب المراحل التي يمر بها شعبنا الفلسطيني.
الجبهة هي من طرحت تطبيق إعلان بكين وكانت أول من قدم استراتيجية تطبيقية لتنفيذ الإعلان فورًا، والذي وقعت عليه كل الفصائل.
والخطوة الأهم لكسر الحلقة المفرغة هي دعوة الإطار القيادي المؤقت والأمناء العامين وتشكيل القيادة الوطنية الموحدة، كمدخل لإنجاز الوحدة وبناء مرتكزاتها وفي طليعتها منظمة التحرير الفلسطينية.
- ما هو مستوى مشاركة الجبهة في مؤسسات منظمة التحرير؟
موقف الجبهة، كفصيل مؤسس في منظمة التحرير الفلسطينية، هو مقاطعة هيئات المنظمة لأنها تطالب بمعالجة وطنية شاملة لإعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني وإعادة تعزيز وتفعيل وتطوير منظمة التحرير وتوسيعها بمشاركة الكل الفلسطيني.
هذا التراجع الذي يقر به الجميع ناتج عن تحويل المنظمة إلى مؤسسة شكلية تُستخدم عند اللزوم فقط.
نحن نريدها كيانًا وطنيًا موحدًا والممثل الشرعي والوحيد المعني بتحقيق وإنجاز هذا البرنامج الوطني الفلسطيني، وهذا يعيد لها زمام المبادرة السياسية على المستوى الوطني والعربي والدولي.
- ورؤيتكم لخطوات الرئيس الأخيرة خصوصًا تعيين فتوح رئيس بالإنابة في حالة شغور الموقع؟
على الدوام، تنشد الجبهة حل الأزمة وليس إدارتها، وهذا يحتاج إلى خطوات شاملة غير منقوصة، متدرجة ومتكاملة، ومعالجة وطنية جماعية للمؤسسات الوطنية وليست فردية أو شخصية معزولة. الأهم أن يسبق هذا حوار يستوفي كل شروط الإصلاح والتجديد والمشاركة.
ما نحتاجه هو بناء منظمة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها على أسس وطنية تمثيلية ومؤسسية تشاركية، إضافة إلى أن تتركز مهمتها على تنمية كيانات الشعب الفلسطيني في مختلف أماكن تواجده.
الأولوية اليوم لوقف حرب الإبادة وتعزيز صموده على أرضه، وتعزيز وحدته، وتنمية هويته الوطنية وارتباطه بقضيته.
- كيف تنظرون للمشهد السوري والمساحة المتاحة للفصائل الفلسطينية هناك؟
ما ننظر إليه وننتظره هو أن تتمسك سوريا بدورها الاستراتيجي، فلا نريد أن تتخلى عن مكانتها الاستراتيجية، ونميز في الجبهة الشعبية دائمًا بين سوريا كدولة وشعب ومكانة، وسوريا كنظام، لأنها في قلب الاستهداف الأمريكي الصهيوني والنيل من هذا الدور الاستراتيجي، والنية واضحة لتغيير يشمل الشرق الأوسط تكون "إسرائيل" قائدة له.
وسوريا تعيش اليوم مرحلة مفصلية من تاريخها، حيث يشهد الوضع الداخلي الفرح والأمل الشديد بحالة أفضل، ولكن مصحوبًا بالقلق والترقب، وينعكس ذلك بالضرورة على الفلسطينيين فيها.
ننظر للمشهد من زاوية عدم التدخل في الشأن الداخلي مطلقًا، وننحاز مع فلسطين ومن يقف معها، ففلسطين هي المدار المركزي، ومعيار الوقوف مع فلسطين والمقاومة هو أساس في الحكم. والتعلم من التجارب يظهر أن النظام السابق خسر بسبب افتقاده إلى حاضنته الشعبية كنتيجة لمجموعة من السياسات الخاطئة، ووسط صراع إقليمي ودولي قد يؤثر على وحدة وسيادة البلاد بحكم وجود محاور متضاربة ومناطق متصارعة.
"إسرائيل"، اللاعب الأساسي والتهديد المباشر، التي تسعى لتسعير التناقضات وابتزاز لفرض التراجع، سواء في دعم المقاومة أو تمسكها برفض التطبيع معها، ونظرتها لسوريا الجديدة هي دفعها إلى توقيع اتفاقات سلام معها، من خلال ما بدأته من تدمير معظم مقدراتها العسكرية.
لذلك في الوقت الذي نتمنى الخير للشعب السوري ومعه لحماية الحريات والتقدم والعدالة والشراكة الوطنية والبناء وتحقيق خيارات الشعب السوري، واحتضان القضية الفلسطينية، ولدينا ثقة بمكانة فلسطين في الضمير الجمعي السوري ووعيه الوطني ووجدانه الأخلاقي والثقافي والتربوي، والمساحة المتاحة التي نتطلع إليها في حماية الشعب الفلسطيني والحفاظ على الوجود الفلسطيني، وحماية المكتسبات، وإعلاء الهوية السياسية الفلسطينية حضورًا وتمثيلًا، وإتاحة بناء علاقات استراتيجية واسعة مع مكونات الدولة السورية العربية والشعبية الحديثة والقوية والتي تُمثل جزءًا من التاريخ النضالي الطويل لمقاومة القوى الاستعمارية وأطماعها والاحتلال الصهيوني ونصرة القضية الفلسطينية.
- هل يشمل اتفاق التهدئة في لبنان سيطرة الجيش اللبناني على مقدرات تسليحية للمقاومة الفلسطينية؟ لاحظنا سيطرة الجيش اللبناني على مواقع للقيادة العامة.
التهدئة في لبنان تتعلق بسلاح حزب الله وتحديدًا جنوب الليطاني، وعلى أن لا يكون ظاهرًا حسب القرار 1701، فيبقى تحت الأرض وهذا متفق عليه مع الجيش اللبناني، أما بالنسبة للسلاح الفلسطيني خارج المخيمات لبعض الفصائل الفلسطينية، فقد بدأ حوار مبكر بين قيادة الجيش والقيادة العامة من أجل إنهاء هذا الملف وتسليم السلاح والمواقع للجيش.
وبالنسبة للسلاح داخل المخيمات، فكان حسب القرار 1559 الذي يطالب بسحب السلاح من الجميع، وجرى اتفاق عام 1991 بأن يتم تنظيم السلاح الفلسطيني داخل المخيمات، وهذا لم يتم حتى الآن.
المطلوب من الفصائل تنظيم هذا السلاح وألا يكون ظاهرًا، لذلك، المسألة تتعلق بالقيادات الفلسطينية وهيئة العمل المشترك في تنظيم السلاح داخل المخيمات، وأن لا يخرج السلاح عن وظيفته، ونجنب الوجود الفلسطيني أعباء إضافية، من شأنها أن تؤذي العلاقات الأخوية وتسيء للفصائل وتحرج الجميع.
- هل تضرر مستوى التنسيق والمتابعة مع قوى محور المقاومة بعد الضربات الأخيرة؟ وهل وضعكم حزب الله في صورة التطورات الأخيرة ما بعد اتفاق التهدئة؟
شكلت المقاومة اللبنانية عقبة فعلية في الاندفاعة الصهيونية لصياغة الشرق الأوسط الجديد، لذلك كل حرب تشن على المقاومة، كما جرى قبل 2006 وكما هو الحال اليوم، يتم وصف الحرب على أنها مخاض جديد لولادة شرق أوسط جديد.
واليوم، فإن الوضع في لبنان ليس كما قبل 7 أكتوبر وما بعده، حيث وجدت المقاومة نفسها في قلب حرب الإسناد، للتكامل مع المقاومة في غزة ورفعت شعار "لن نترك غزة ولن نترك فلسطين"! وقد فرضت الحرب الطويلة والواسعة بنتائجها واقعًا جديدًا على المنطقة.
والحرب الأخيرة على لبنان لم تكن حربًا عادية، بل تختلف بشكل كبير وتستحق أن يُطلق عليها حرب الجيل الرابع، والتي أدت إلى خسارة فاجعة باغتيال السيد حسن نصرالله وبمثابة ضربة قوية، كما أن استخدام الاستخبارات الإسرائيلية للذكاء الصناعي والتكنولوجيا المتطورة قد أثّر بشكل كبير على سير المعركة.
جرت لقاءات أولية مع الحزب ودار الحديث عن التحديات الكبرى التي تواجهه من خلال السيطرة بسرعة ونجح في منع "إسرائيل" من التوغل داخل لبنان، وأبقى المعركة مشتعلة على الجبهة الأمامية، مع الاستمرار في قصف المستوطنات ووسط الكيان بالصواريخ.
وما جرى ليس نهاية المطاف، لأنها معركة في حرب مستمرة، بل يمكن أن يكون نصرًا مؤجلًا إذا أحسنا القراءة الموضوعية والنقدية والمراجعة الجدية لما حصل، لاستخلاص الدروس ومعرفة التقديرات الخاطئة.
ورغم أن كلفة الدمار الوحشي الذي لحق بلبنان كان كبيرًا ومخيفًا، فإن المعيار يقاس بفشل "إسرائيل" في تحقيق أهدافها السياسية الكبرى، وقدرة المقاومة على الصمود والنهوض من جديد والتعافي الشاق من الضربة وبتعديل حساباته سريعًا لتوفير الأمن للبنان والحفاظ على البيئة الداخلية، وكانت التضحيات جسيمة، حيث فقدت المقاومة العديد من قادتها مما مثل خسارة كبيرة للمقاومة وللأمة وللأحرار في العالم.
ولتقييم الاتفاق الذي سعى إلى تمرحل من خلال مهلة الـ60 يومًا، ميدانيًا، كانت هناك متغيرات كبيرة، رغم القتال الأسطوري والصمود والثبات في منع العدو من التقدم، لكن الاحتلال يحاول أن يفرض بالخروقات المتكررة وقائع جديدة، ليفقد المقاومة معادلة الردع التي كانت تمتلكها منذ العام 2006، وأنه متمسك بحق "إسرائيل" بالدفاع عن نفسها، ويتم من خلال ضربات استباقية.
وحزب الله وضع الأمور بيد الحكومة اللبنانية والجيش اللبناني ولجنة الإشراف الدولية واليونيفيل، وكل ذلك لم يردع "إسرائيل" من ممارساتها اليومية العدوانية بالهدم والتدمير، لتثبيت نسختها الخاصة من الاتفاق، وثبت مجددًا أن لا أحد يردعها سوى المقاومة التي تعمل حيث يفشل الآخرون!
- ما هو مستوى التنسيق بين قوى المقاومة الفلسطينية وحركة أنصار الله اليمنية؟
"اليمنيون الذين يرتدون الصنادل يوجهون بلدًا بأكمله في منتصف الليل إلى الملاجئ"، هكذا صرح أفيغدور ليبرمان، زعيم "إسرائيل بيتنا"، في تعليقه على الصواريخ اليمنية، ويعكس هذا مدى تأثير اليمن وأهميته الجغرافية.
سجل اليمن حضورًا نوعيًا، الأول: عندما دخل المعركة الإسنادية مبكرًا بالمليونيات الشعبية الأسبوعية التي تملأ ساحات وشوارع المدن، لنصرة فلسطين وغزة، مؤكدًا حقيقة الصراع كواجب قومي وديني على كل الأمة، وأن فلسطين والقدس قضية الأمة وليس الفلسطينيين وحدهم. والثاني: أن تخوض حربًا استراتيجية فاعلة بالصواريخ والمسيرات العابرة للحدود والمسافات نصرة لطوفان الأقصى ودعمًا لشعبنا في غزة.
أما الثالث: أكدت فشل الرهان على إخضاع شعب اليمن وثني حركة أنصار الله عن موقفها ودفعها للتخلي عن خيار المواجهة مع الكيان، والرابع: أن هناك قيادة تستحق الاحترام، قيادة شجاعة وقوات مقاتلة وحالة شعبية عزيزة واسعة تحتضن فكرة نصرة فلسطين.
لذلك، هي تعمل على إيقاع حركة المقاومة في فلسطين، وبتواصل معها ضمن مقاربات استراتيجية محسوبة جيدًا.
للمزيد من التفاصيل: إضغط هنا