Skip to main content

تقرير القناة 12 العبرية عن اغتيال هنية: سر التوقيت والسياق

29 كانون الأول 2024
https://qudsn.co/photo_2024-12-29_18-36-14

خاص - شبكة قُدس: في تقرير استمر نحو 13 دقيقة، بدأت القناة 12 العبرية بالإشارة إلى قادة جماعة "أنصار الله" والتهديد باغتيالهم على لسان وزير حرب الاحتلال، يسرائيل كاتس، مع ربط ذلك بعملية اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، في طهران. نسجت القناة رواية وسردية تشبه كثيرًا السرديات الأمنية الإسرائيلية حول العمليات السرية للاستخبارات الإسرائيلية، التي تحاول تصوير العقل الأمني الإسرائيلي على أنه متفوق وعبقري وقادر على الوصول إلى أي مكان.

تتشابه خصائص هذا التقرير الذي بثته القناة مع تقارير الإعلام الإسرائيلي حول عمليات الاغتيال، لكن البداية، وإن بدت إيحاء بتبني رسمي إسرائيلي، إلا أن اختيار تصريح إسرائيلي يتعلق بقادة "أنصار الله" كان أمرًا مخططًا له. فقد صرّح رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، بوقوف الاحتلال وراء اغتيال هنية، لكن كاتس هو الذي ربط الاعتراف بالتهديد، ولذلك يمكن الإشارة إلى التأكيد على التهديد الموجه لقادة "أنصار الله" والقدرة على الوصول إليهم.

يأتي توقيت التقرير في سياق تقارير أخرى تتحدث عن ضعف استخباراتي شديد في التعامل مع المعضلة اليمنية. السبب الرئيس لفشل أجهزة استخبارات الاحتلال هو عدم قدرتها على التنبؤ بقدرة هذه الجبهة على تهديد عمق الكيان الإسرائيلي والخشية من معركة استنزاف طويلة مع آخر طرف في محور المقاومة ظل مساندًا لقطاع غزة. وفقًا للتقارير الإسرائيلية، يرى رئيس الموساد، ديدي بارنيع، أن على الاحتلال استهداف قلب طهران، وقد تكون هذه إحدى رسائل التقرير؛ التلويح للإيرانيين بعمليات معقدة في أكثر الأماكن تحصينًا وحساسية، وهو الوصف الذي ظل يتردد في التقرير عن مكان استهداف هنية، وقد يكون المتغيرات في سوريا ومغادرة بعض قادة المقاومة لإيران جزء من رسالة التهديد التي حملها التقرير.

يمكن الافتراض أن جزءًا مهمًا من معركة الاحتلال السرية مع إيران هو معركة مواقع سرية؛ منشآت نووية، مواقع أمنية سرية، مصانع أسلحة، وأماكن تواجد القادة. إن فكرة تفكيك حصانة المكان السري مهمة في سياق هذه الحرب النفسية، مما يؤدي إلى إرباك عملي في العمليات الأمنية والعسكرية وصولًا للمواقف السياسية. أحد المتحدثين في التقرير اعتبر اغتيال هنية عملية معقدة أكثر من عملية تفخيخ وتفجير أجهزة "البيجر"، عبر قوله: "وصلنا لمنشأة إيرانية حساسة واخترقنا المكان الأكثر سرية وأمانًا في طهران". وفي حين لا يمكن مقارنة العمليتين من الناحية العملية من حيث التعقيد والسياقات الأمنية والتكنولوجية، يتضح أن الهدف هو "مركزة" المكان الآمن في معركة الوعي.

تطور القناة في تقريرها حبكة السردية الخاصة بها في اغتيال هنية. فمن الحديث عن المكان المحصن الآمن، تنتقل للحديث عن الرجال الذين يتولون حراسة المكان. "أنصار المهدي" هم الآخرون، بحسب التقرير، الأكثر موثوقية في مجال الأمن لدى الإيرانيين. تؤسس هذه التوصيفات لـ"أنصار المهدي" لتساؤلات مركبة: كيف دخلت العبوة ومن وضعها؟ ومن تابع الغرفة التي حدث في المكيف الخاص بها خلل؟ من رأى خليل الحية عندما دخل إلى هنية بعد اغتياله؟ من منح الاحتلال المعلومة عن التقرير الطبي الأولي لطاقم الإسعاف الموجود في المكان؟ إجابات هذه الأسئلة التي يخلقها التقرير ضمنًا تضع خيال المتلقي في مكان يعتقد فيه أن الموساد هو سيد المكان المحصن، وأن حراس المكان أيضًا ملكه. إنها سردية قائمة منذ بداية الاحتلال تحاول إنتاج "افتراض إدراكي" عن هشاشة المكان والإنسان المعاديين عندما يتعلق الأمر بالعقل الأمني الإسرائيلي.

إن السياق الأوسع لتقديم هذه السرديات هو معالجة مستمرة لهشاشة قدرات الاستخبارات الإسرائيلية التي فشلت في التنبؤ بطوفان 7 أكتوبر الذي جرف معه كل "الدراما الأمنية الإسرائيلية" في الوعي الجمعي الإسرائيلي. ليس فقط في سياق عدم القدرة على التنبؤ بالحدث، وإنما في معالجة تبعاته، خاصة فيما يتعلق بالوصول لأسرى الاحتلال في قطاع غزة، الذين أصبح الاحتلال يعتقد أنهم لن يعودوا إلا من خلال صفقة، وأن أماكن المقاومة السرية قادرة على طي نظرياته وأمنياته.

يُشار إلى أن التحقيقات المشتركة بين الجهات المختصة في حركة حماس والسلطات الإيرانية أثبتت أن اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، تم بواسطة صاروخ موجه تمكن من تحديد مكانه من خلال الهاتف الذي كان بحوزته. فقد كان هنية على اتصال مع جهات سياسية دولية وفلسطينية بحكم موقعه التنظيمي في حماس وعملية التفاوض غير المباشر مع الاحتلال، وبالتالي فإن عملية اغتياله لم تكن بهذا التعقيد الذي صوره التقرير. ومع ذلك، كان اختيار المكان له اعتبارات أمنية وسياسية ودبلوماسية، وربما التوقيت.


 

للمزيد من التفاصيل: إضغط هنا