Skip to main content

المقاومة لنتنياهو.. "كش ملك"

29 كانون الأول 2024
https://qudsn.co/436

في السابع من أكتوبر 2023، وقع حدث مفاجئ هز أركان "الأمن الإسرائيلي" وأدى إلى تصعيد غير مسبوق في الحرب بين الاحتلال وفصائل المقاومة في قطاع غزة. العملية الذي شنتها فصائل المقاومة، في وقت كانت فيه "إسرائيل" تعد نفسها في أمان، شكل نقطة تحول كبيرة في الصراع الفلسطيني "الإسرائيلي". ومنذ ذلك التاريخ، بدأت تتكشف أبعاد جديدة للصراع، كانت بمثابة "كش ملك" لسياسات رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو. فبينما يتسارع القتال، تزداد حدة حرب الاستنزاف التي تخوضها المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال، وتتحقق نتائج تبرز بوضوح أن غزة ليست المكان الذي يتخيله نتنياهو أنه يمكن أن يُخضعه بسهولة.

في هذا المقال، سنسلط الضوء على كيف جاءت "كش ملك" التي وجهتها المقاومة إلى نتنياهو، وكيف بدأت الحرب تكشف مدى فشل استراتيجياته العسكرية والسياسية في مواجهة صمود المقاومة الفلسطينية.

في البداية، يبرز السؤال الأهم: ماذا حدث في السابع من أكتوبر؟ العملية المفاجئة على "إسرائيل"، والتي قامت بها فصائل المقاومة في غزة، كان بمثابة صدمة استراتيجية للاحتلال. كانت الأجهزة "الأمنية الإسرائيلية" قد قدرت أن قطاع غزة تحت سيطرة قوية لحركة حماس، وأنهم قادرون على منع أي هجوم عسكري بهذا الحجم. لكن المفاجأة كانت في دقة التخطيط والتنفيذ الذي مكن المقاومة من اختراق حدود غزة وإحداث دمار واسع في الأراضي المحتلة.

هذه المفاجأة لم تكن مجرد خسارة عسكرية للاحتلال، بل مثلت بداية لحرب استنزاف طويلة لم تكن متوقعة المقاومة الفلسطينية، التي طالما تم تصويرها على أنها مجموعة من الفصائل "الصغيرة"، أثبتت أنها قادرة على تحمل الضغوط العسكرية، ومواجهة القوة العسكرية "الإسرائيلية" بشكل غير تقليدي. مع كل يوم من أيام الحرب، كان التحدي يكبر، وكان الاحتلال يخوض معركة غير متكافئة، بحيث بدأ العدوان العسكري يتحول إلى حرب استنزاف تنخر في قدرة الاحتلال على حسم الأمور بسرعة.

رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، الذي اعتاد على تقديم نفسه كـ "مهندس الأمن الإسرائيلي"، وجد نفسه أمام واقع قاسٍ. كان يعتقد أن الرد العسكري السريع، مثلما حدث في الحروب السابقة، سيجلب له النتائج المرجوة، لكن على الأرض كانت الأمور مختلفة تمامًا. المقاومة الفلسطينية، ومن خلال تكتيكاتها الحربية وحرب الاستنزاف، ضربت بمفاجآت مستمرة قلب استراتيجية نتنياهو العسكرية.

جيش الاحتلال، الذي يعتبر نفسه من "أقوى" جيوش العالم، كان في حاجة مستمرة لإعادة التقييم والتجهيز. وفي الوقت الذي كان فيه نتنياهو في محاولات لإظهار قوة "الردع الإسرائيلي"، كانت غزة، بكل مقاوميها وفصائلها، تقدم ردًا ثابتًا على تلك المحاولات، وتربك الحسابات العسكرية للاحتلال. كل ضربة "إسرائيلية" كانت تُقابل بضربات مضادة وعمليات استخباراتية، كانت تُظهر بشكل تدريجي فشل الاحتلال في تحجيم المقاومة. وبالطبع، لم تغب عن الأذهان صور صمود المدنيين الفلسطينيين في غزة، الذين أظهروا قدرة على تحمل ويلات الحرب، مما عزز مكانة المقاومة في الشارع الفلسطيني والعربي والعالمي.

في ظل الحرب الحالية، تصاعدت الضغوط داخل "إسرائيل" نفسها. بعد هجوم السابع من أكتوبر، بدأت المظاهرات في "إسرائيل"، سواء من الجنود الذين تضرروا من الخسائر العسكرية أو من المدنيين الذين كانوا في مرمى عمليات المقاومة. هذه التظاهرات كانت تعكس انقسامًا حادًا في المجتمع "الإسرائيلي"، الذي بدأ يتساءل عن جدوى الاستمرار في هذه الحرب، وبدأت أسئلة حول شرعية سياسات نتنياهو في إدارة الصراع خصوصاً في ظل فشله في استعادة الأسرى "الإسرائيليين".

الاحتلال وجد نفسه عالق بين الرغبة في الرد على عمليات المقاومة، وبين الفشل في تحقيق مكاسب استراتيجية واضحة. ومع كل يوم يمر، تصبح الحرب أكثر تكلفة بالنسبة للاحتلال على الصعيدين العسكري والاقتصادي. في هذا السياق، يتساءل كثيرون داخل "إسرائيل" إذا كانت الحرب أصبحت حرب استنزاف قد لا تنتهي بسهولة، مما يضع نتنياهو في موقف سياسي بالغ الصعوبة.

"كش ملك" التي وجهتها المقاومة إلى نتنياهو لم تكن فقط على الجبهة العسكرية. في الوقت الذي استمرت فيه العمليات العسكرية، كانت المقاومة تعمل على مستوى سياسي وإعلامي، حيث استطاعت في عدة مناسبات أن تكشف للرأي العام الدولي والضوء الإعلامي العالمي حجم الصمود الفلسطيني أمام آلة الحرب "الإسرائيلية."

المقاومة لم تكتفِ بالرد العسكري، بل عملت على رفع الوعي العالمي بممارسات الاحتلال، خصوصًا مع استخدام "إسرائيل" للقوة المفرطة في قصف قطاع غزة. هذا الصمود لا يعد مجرد تصعيد عسكري، بل هو بمثابة رسالة للشارع "الإسرائيلي"، مفادها أن حروب "إسرائيل" مع غزة ليست بالسهلة، وأن المقومات العسكرية لا تجلب بالضرورة النصر.

اليوم، بينما تشتعل المعارك في غزة، يبدو أن نتنياهو يواجه تحديات متعددة، تحدي إدارة الحرب داخليًا وخارجيًا. حرب الاستنزاف التي فرضتها المقاومة ليست مجرد اختبار للقدرة العسكرية، بل اختبار للقيادة السياسية. ما بين ضغوط الجبهة الداخلية "الإسرائيلية" وتزايد الانتقادات الدولية، أصبح موقف نتنياهو أكثر تعقيدًا من أي وقت مضى.

نتنياهو، الذي طالما كانت سياسته تعتمد على القوة العسكرية كأداة رئيسية لتحقيق أهدافه، يجد نفسه اليوم أمام كش ملك سياسي وعسكري في حرب غزة. في حرب الاستنزاف هذه، يمكن للمقاومة الفلسطينية أن ترفع شعار "كش ملك" بشكل غير تقليدي، إذ أثبتت قدرة على مواصلة القتال والاستمرار في مواجهة الاحتلال، بينما يعاني نتنياهو من تصاعد الضغوط السياسية الداخلية والخارجية. الصراع اليوم قد يكون أطول وأكثر تكلفة مما كان يظن، وأن الوقت قد حان لسقوط "الملك" عن رقعة الشطرنج.


 

للمزيد من التفاصيل: إضغط هنا