Skip to main content

هل وجودنا في الجامعة هو أكبر نضال؟

15 تشرين الأول 2024
https://qudsn.co/438058941_816160517209910_6473655600827824823_n

على سبّورة القاعة عنوان: "أين طلبة الجامعات مما يجري اليوم؟"

- تسأل المُحاضِرة: ما الذي أثاره العنوان في أذهانكم؟

ليجيب أكثر الطلبة تلويحاً بيده في الهواء: "وجودنا هون في الجامعة ودراستنا للمواد، هو أكبر كفاح" !

تركتني هذه الإجابة في صدمة، وبقيت في مقعدي ذاهلاً من وقع المنطق. لم يستوقفني هذا الطرح لمجرد تناقضه مع قناعاتي الشخصية، ولكن لأنّه يمثّل خطرًا على الضمير الجمعي للطلبة، فالاعتقاد بأنّ الدراسة وحدها هي الكفاح قد يحوّل العلم إلى غاية فرديّة ضيقة، ويغفل دوره كأداة فاعلة ضمن مدى أوسع من الوعي الجمعي.

رأساً بعد انتهاء المحاضرة، تبادر الى ذهني مسيرة النضال الفلسطيني، حيث يظهر بشكل جليّ تكامل الأدوار بين العلم والنضال. يمكننا نرى كيف نشأت "الكتيبة الطلابية" في لُبنان تحت لواء حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح"، وقد سمّيت بالكتيبة "الطلابية" لأنها تكوّنت من الطلبة كما يظهر من اسمها، ما يُبرز محورية العِلم في مقاومة الاحتلال وتعزيز قدرة الثائر. في هذا السياق علّق الوزير اللُّبناني السابق وأحد أعضاء الكتيبة الطلابية " طراد حمادة" في وثائقي عُرض على فضائية الجزيرة بعنوان "الكتيبة الطلابية: من السرية إلى السرايا" أن الكتيبة الطلابية هي وليدة طبيعية للحراك الطلابي الفلسطيني في لبنان.

كما أن "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" جاءت من نفس الوسط (الجامعي)، فنرى انبثاقها كان عن حركة "القوميين العرب" التي بدأت في الجامعة الأمريكية في بيروت، ليكون هذا التكوّن انعكاساً لأثر البيئة الأكاديمية والثقافة التي تأسُّ في الجامعات أساس الثورة والتحرر.

كذلك الأمر في الحركات الإسلامية، فنرى كيف أنّ حركة "الجهاد الإسلامي" في فلسطين بدأت كفكرة ورؤية تنمو على يد مؤسّسيها (الطلبة) في "جامعة الزقازيق"، ونشأت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" من التكتلات الطلابية الإسلامية في الجامعات، وعلى وجه التحديد في الجامعة الإسلامية في غزة.  

جنبًا الى ما ذُكِر من تجارب جماعية، تبرز تجارب فردية تعكس تقاطع العلم والنضال بمشاهد مؤثرة وعميقة، والشهيد باسل الأعرج هو خير شاهد ومثال على هذا التلاقي، حيث كان الباسل يحمل شهادة في الصيدلة، بيد أنه لم يُحصر داخل قالب المعرفة الأكاديمية، بل قام بدمج الثقافة والاشتباك في الواقع، مؤكدا ذلك بكلماته الخالدة: "إذا بدك تصير مثقف لازم تصير مثقف مشتبك، وإذا بدك تكون مش مشتبك، لا منك ولا من ثقافتك، ولا في فايدة منك"، حيث عَكَس في هذه الكلمات فلسفته التي تعتبر الثقافة والمعرفة دون جدوى إن لم يرتبطا فعليا مع الواقع.

سابق الذِّكر من التجارب كان على الصعيد المحلّي، أما عالميا فحريٌّ بنا أن نتناول تجربة الثورة الكوبية بقيادة "تشي جيفارا"، إذ كان الطبيب الثائر يسعى وراء هدف بعيد المدى، ألا وهو تأهيل الثوار لا كجنود مقاتلين فقط! بل كمفكرين واعين قادرين على قيادة التغيير الحقيقي، وإدراكه بأهمية العلم جعله يؤسس مدارس لمحو الأمية في معسكرات الثوار.

وفي كثير من الأحيان لم يقبل جيفارا انضمام غير المتعلمين إلى صفوفه، فقد كان يرى أن الجهل عائق كبير في مسار الثورة، حيث يعرقل التفكير النقدي، والتحليل العميق للواقع واتخاذ القرارات الصائبة.

نرى أنّ التجربتين "الفلسطينية والكوبيّة" تشتركان في إدراك عميق بأن العلم والنضال ليسا طريقين متوازيين، بل هما وجهان لنفس العملة.

وبعد هذا التاريخ الحافل، أدرك الاحتلال الإسرائيلي بأن الجامعات وما فيها من وسط طلابي تشكل تربة خصبة للوعي والنضال، فبدأ بشنِّ إجراءات ممنهجة عليها، شملت تلك الإجراءات اعتقالات متكررة للطلبة والكوادر الأكاديمية، مداهمات للحُرُم الجامعية، عرقلة للوصول ومراقبة كل مظهر "تعبير سياسي"، لمحاولة إطفاء دور الجامعات كمنبع للوعي في مقاومة الاحتلال، وكذاك تستمر محاولات فصل العلم عن المقاومة، وبهذا يكون الطالب الفلسطيني مخيًّر بين أن يكون مُثقفًا أو مُشتبكًا.

للمزيد من التفاصيل: إضغط هنا