Skip to main content

شارع يافا في مدينة غزة .. الشاهد على هزيمة المحتل دومًا

09 تموز 2025
https://qudsn.co/شارع يافا في مدينة غزة .. الشاهد على هزيمة المحتل دومًا

غزة - قدس الإخبارية: في الأيام الأخيرة بات يتردد عبر الأخبار "مجزرة في شارع يافا"، أو "النزوح عبر شارع يافا"، "إخلاء شارع يافا"، لكن الحديث هنا ليس عن مدينة يافا العريقة، بل عن شارع يحمل اسمها في قلب حي التفاح شرق مدينة غزة؛ شارع تحوّل إلى أيقونة نضال وهدف متكرر في بنك أهداف الاحتلال الإسرائيلي.

هذا الشارع، الذي استُوحي اسمه من مدينة يافا التاريخية، ليس مجرد ممر سكني في غزة، بل سجلّ حيّ لتاريخ طويل من المواجهة، بدءًا من انتفاضة الحجارة، وصولاً إلى صمود اليوم، فهو يتفرع من منطقة "السدرة" في حي الدرج، مارًا بمدرسة التفاح، ويصل امتداده إلى شارع مسعود في جباليا شمالاً، وتقطنه عائلات فلسطينية عريقة مثل: الشرفا، الأي، حمادة، سلمون، بهتيني، الغفري، غزال، وأرشي.

منذ احتلال قطاع غزة عام 1967، كان شارع يافا ساحة لمواجهات عنيفة بين الشباب الفلسطيني الثائر وقوات الاحتلال، فالشباب يقاومون بأسلحة بسيطة كالحجارة، والعصي، و"النبلة" (الشديدة)، وكانوا في كل مرة يصيبون أهدافهم، بينما يخرج الجنود يجرون أذيال الخيبة.

علاوة على أن جدران الشارع كانت تتزين بعبارات ثورية يخطها الشباب سرًا، تحمل رسائل تحدٍ وصمود، حتى صار الشارع مرآة لصوت الشارع الغزي المقاوم.

مدرسة يافا: منارة علم ومواجه

ما اكسب شارع يافا أهميته الوطنية أنه يقع في قلب الشارع مدرسة يافا للبنين، أحد أبرز معالم غزة التعليمية والتاريخية، تأسست رسميًا عام 1962 في عهد الإدارة المصرية، بعد أن كانت مدرسة  "فلسطين" الثانوية الوحيدة لكل بنين القطاع والتي تعلم فيها الرعيل الأول من المناضلين، والقول لحارس الذاكرة ابن حي التفاح محمود الغفري.

ويضيف الغفري خلال حديثه لـ "شبكة قدس":"خرّجت المدرسة أجيالاً من القادة والمثقفين، من بينهم المؤرخ إبراهيم سكيك الذي كان مديرها وقت احتلال 1967، وسليم المبيض مؤرخ فلسطين المعروف، ومعمر بسيسو أحد رموز الحركة الرياضية، موضحا أن المدرسة أصبحت تغطي طلبة الثانوية في أنحاء الاحياء القديمة "التفاح والدرج والشجاعية والزيتون، وكذلك بيت لاهيا وبيت حانون وجباليا البلد والمعسكر".

وذكر أن "مدرسة يافا" كان يدرس فيها مادة عسكرية تسمى "الفتوة"، واحتوت على ميدان تدريب عملي للرماية. كما كان لطلابها دور كبير في تفجير الانتفاضات، وفي المشاركة بالمظاهرات التي انطلقت من شوارع التفاح والزيتون والشجاعية وحتى بيت حانون.

ويحكي حارس الذاكرة كما سماه مؤرخو غزة، أن الشباب لم يكونوا وحدهم في الميدان لمواجهة الاحتلال فقد كانت تأتي أمهاتهم في قلب المعركة، يشاركن في التظاهرات، يشتبكن مع الجنود، ويصررن على عدم العودة إلى المنازل إلا برفقة أبنائهن الذين اعتقلهم الجيش، خاصة حين كان يحاصر الجيش المدرسة.

 تعرضت المدرسة خلال الحرب الأخيرة لقصف عنيف مرتين، في محاولة لطمس معالمها، لكنها ما زالت تصمد كأحد رموز الهوية والتاريخ.

شارع يافا الشاهد على جرائم الاحتلال

في الانتفاضة الأولى، تم تحويل مدرسة يافا إلى مدرسة إعدادية خوفا من اشتداد المواجهات بين جنود الاحتلال والطلبة، لكنها بقيت مركزًا للنشاط الوطني والتعليمي، ومع ذلك بقيت معركة قتال مستمرة.

على باب بيتها من الداخل تجلس الحاجة "أم أيمن" – 77 عاما- تراقب النازحين من جباليا والمارين بشارع يافا، تحاول بصوتها الضعيف منعهم من النزوح ودعوتهم للثبات في بيوتهم.

لم يتبق من بيت أم أيمن سوى غرفة بعدما دمرته قذائف المدفعية الإسرائيلية، تقول لـ "شبكة قدس" إنها فقدت اثنان من أبنائها الشهداء، ولم يتبق لها سوى ابن لديه إعاقة ذهنية، لا تريد النزوح بل الموت داخل بيتها، مشيرة إلى أن الاستجابة لأوامر الاحتلال يعني الاستسلام.

وتستذكر كيف كان بيتها الملاصق لمدرسة يافا "مخبأ" للطلبة وقت المواجهات، في كثير من الاحيان تهربهم إلى الشارع الخلفي، وترفض فتح الباب للجنود، وكثير من الأحيان كانت تشتبك معهم وتنهال عليهم بالمسبات.

أما "سليم. ش" – 47 عاما- كان قد لجأ إلى مدرسته في الصبا ليحتمي من القذائف والصواريخ، واتخذ من فصله في المرحلة الثانوية مكانا ليحتمي فيها برفقة عائلته، حتى قصفت قبل شهور قليلة ومن ثم خرج قبل أسبوع مرغما بصحبة النازحين بعدما هددهم الاحتلال بقصفها.

ويوضح لـ"شبكة قدس" أنه رفض النزوح منذ بداية الحرب فقد كان يسكن جباليا البلد وكانت القنابل والقذائف والصواريخ تسقط عليهم ليل نهار، حتى اهتدى للاقامة في مدرسته، مشيرا إلى أنه استرجع ذكرياته حين كان فتى وكيف كان برفقة أقرانه كانوا يقارعون جنود الاحتلال حال ضايقوا أحد سكان الحكي أو قاموا بايذاء الناس.

ويقول:" أتذكر إطارات السيارات حين نحرقها حتى "نعمي" الجنود عنا وقت المواجهات"، مضيفا: هذه الحرب شرسة حرقت كل شيء وتعمد الاحتلال في تدمير الذاكرة والهوية الفلسطينية، لكن ما نحفظه في ذاكرتنا لا يزال حي ونورثه لأبنائنا.

اليوم، مع استمرار العدوان، تعود أخبار الشارع إلى الواجهة، لكن تحت عناوين الألم والمجازر والنزوح القسري وبينما يحاول الاحتلال محو معالم المكان وسكانه، يبقى شارع يافا شاهدًا على الحكاية؛ ويأمل سكانه بالعودة القريبة إلى ما تبقى من بيوتهم بانتهاء الحرب على قطاع غزة.

للمزيد من التفاصيل: إضغط هنا