Skip to main content

300 سائقة و5000 مستخدمة: مشروع النقل الآمن للنساء يتوسّع في بيروت

14 أيلول 2025

في عصر الرقمنة والتكنولوجيا، حيث تتسارع وتيرة الحياة وتزداد متطلباتها، يجد الإنسان نفسه مضطرا أحيانا لاتخاذ قرارات قد يعتبرها المجتمع غير تقليدية أو نقدية، لكنها في الواقع تعكس القدرة على التكيف والإبداع في مواجهة التحديات اليومية. التطورات الرقمية والاقتصادية والاجتماعية تجعل الفرد أمام واقع جديد، حيث لم تعد المهن حكرا على جنس محدد، بل أصبحت كل وظيفة لها كرامتها وحقها في الممارسة، طالما كانت ضمن إطار قانوني وأخلاقي وإنساني.

لذا من البديهي ان يترجم هذا الواقع بشكل واضح في مختلف المجالات، فاليوم نشهد نساء يقتحمن مهنا كانت في السابق حكراً على الرجال، مثل ميكانيك السيارات، الحدادة، الأعمال الكهربائية، وغيرها من الحرف والمهن الصعبة. تبيّن هذه الظاهرة تحولا حقيقيا في المجتمع، حيث صار التقدير للكفاءة والإرادة والالتزام أهم من التقاليد الجامدة التي كانت تقيّد خيارات الإنسان.

وفي سياق مماثل، برزت مؤخرا شركات تقدم خدمات مبتكرة، مثل سيارات الأجرة المخصصة للنساء، مع سائقات يَقُدنها بالكامل، ما يعكس توجها جديدا نحو تمكين المرأة وتأمين بيئة آمنة للنساء في التنقل اليومي. كما تظهر قصص نساء يعملن كسائقات في مجالات النقل المختلفة، لتثبت أن الظروف المعيشية الصعبة لا يمكن أن تحد من عزيمة الإنسان وإرادته، وأن الاجتهاد والعمل الجاد هما الطريق لتحقيق الاستقلالية والكفاءة المهنية، بغض النظر عن الجنس.

من هنا، تتجسّد هذه التحولات بوضوح، اذ يواجه المجتمع مرحلة جديدة من إعادة تعريف المهن والكرامة المهنية، حيث تصبح القدرة والإرادة والأخلاق المهنية المعيار الأساسي، لا التقاليد أو الصور النمطية القديمة. وبذلك، تتحول المهنة نفسها إلى أداة للتمكين الشخصي والاجتماعي، وفرصة لإثبات أن الإنسان قادر على مواجهة الصعوبات، وجمع رزقه بعرق جبينه وجهده المتواصل.

من هذا المنطلق، يبرز مشروع "Heya Ride" في لبنان كتجربة فريدة في عالم النقل، إذ يقدم خدمة سيارات أجرة مخصصة للنساء فقط، حيث تكون كل من السائقات والراكبات من النساء، مما يجعل الرجال خارج المعادلة بالكامل.

وفي هذا الإطار، توضح إحدى السيدات القائمات على المشروع لـ "الديار": "أن التطبيق لا يقتصر على توفير وسيلة نقل فحسب، بل يعمل كوسيط بين السائقة والراكبة، ليخلق مساحة آمنة ومريحة للطرفين. كما ان الهدف يتجاوز تسهيل التنقل إلى تشجيع النساء على كسر الصورة النمطية السائدة حول قيادة السيارات والعمل في مجال التاكسي، الذي ظل لفترة طويلة مجالاً حكرا على الرجال".

وتشير إلى أن: "المشروع جاء بمزيج نسائي مبتكر، حيث تشارك ثلاث فتيات كمؤسسات وشريكات، إلى جانب شاب كمؤسس داعم للفكرة. رغم أن المبادرة انطلقت قبل نحو عام، إلا أن النشاط الفعلي للشركة شهد تسارعا منذ الشهر السادس، مع التركيز على جذب سائقات جديدات وإطلاق حملات على وسائل التواصل الاجتماعي لتسهيل التواصل مع النساء الراغبات في التنقل".

وتؤكد أن: "السائقات يخضعن لتدريب مكثف ودقيق لضمان جهوزيتهن، ويُطلب منهن تقديم المستندات القانونية اللازمة لممارسة مهنة التاكسي وفق القوانين اللبنانية، مثل رخصة القيادة وسجل العمل الرسمي. وبعد التأكد من جاهزيتهن، يبدأ استقبال الطلبات، مع منح السائقات مرونة في تنظيم أوقات عملهن، ما يتيح لهن الجمع بين العمل والالتزامات الشخصية بحرية".

بهذه الطريقة، ووفق المتحدثة باسم الشركة فإن المشروع لا يقتصر على توفير وسيلة نقل آمنة للنساء، بل يمنح أيضا فرصا حقيقية للتمكين الاقتصادي والمهني في مجتمع ما زال يقيّد بعض القطاعات للرجال.

وتنوّه في الختام الى ان: "التطبيق يضم نحو 5000 مستخدمة، بينما تعمل حوالي 300 سائقة حاليا ضمن نطاق بيروت وضواحيها. ومع نجاح التجربة الأولية، تخطط الشركة للتوسع تدريجيا لتغطية مناطق أوسع، ما يوفر المزيد من خيارات النقل الآمن والمريح للنساء. كما تحظى الخدمة بقبول واسع بين النساء، وخصوصا الطالبات الجامعيات، اللواتي يفضلن خيارات نقل مخصصة وآمنة. كما أن سيارات النقل مملوكة من قبل السائقات أنفسهن، ما يعزز استقلاليتهن ويقوي شعورهن بالتمكين والمسؤولية ضمن عملهن اليومي".

المرأة في الميدان

على مقلب اخر، تروي السيدة هبة لـ "الديار" كيف وجدت نفسها أمام تحدٍ ضخم، بعد وفاة زوجها وتركها مسؤولة عن بناتها الثلاث؛ وتقول: "لم استسلم رغم انني غير متعلمة، لذلك قررت العمل كسائقة على سيارة أجرة لتأمين رزقنا اليومي، وتحديت بذلك كل الصور النمطية التي تعتبر قيادة المرأة للتاكسي أمرا غريبا أو غير مألوف في المجتمع".

في جميع الأحوال، تثبت هبة والكثيرات أن القوة الحقيقية تكمن في الإرادة والعزيمة، وأن العمل لا يقلل من أنوثتها أو دورها كأم، بل يمنحها استقلالية كاملة. وتعبر قصتها عن أن المرأة قادرة على مواجهة التحديات الاجتماعية والاقتصادية، وإثبات نفسها بعرق جبينها وجهدها، في مجتمع ما زال يفرض قيودا تقليدية على بعض المجالات.

ولعله من المفيد ان نؤكد ان تجربتها ليست مجرد قصة فردية، بل رمز للتمكين والجرأة، ولإظهار أن المبادرات النسائية في لبنان قادرة على كسر القيود، وإعطاء النساء مساحة حقيقية للعمل والأمان والاستقلالية.

لا شك انه في عصر التحولات الرقمية والاجتماعية، يبرز عمل المرأة في وظائف غير تقليدية، مثل قيادة السيارات أو دخول المجالات التي كانت محصورة بالرجال، كظاهرة ذات أبعاد نفسية واجتماعية قوية. من منظور علم النفس، تمثل هذه الوظائف فرصة لتعزيز الثقة بالنفس والاستقلالية الشخصية، إذ تمنح المرأة القدرة على التحكم في حياتها وتحقيق ذاتها بعيدا عن الاعتماد على الآخرين. كما أنها تحفز على تطوير المهارات والتكيف مع التحديات الجديدة، ما ينعكس إيجابا على الصحة النفسية والشعور بالكفاءة الذاتية.

من جانبها، تقول نقيبة الاختصاصيين في العمل الاجتماعي ناديا بدران لـ "الديار": "ان علم الاجتماع ينظر إلى هذه الظاهرة كجزء من التحولات الاجتماعية والثقافية التي تعيد تعريف الدور التقليدي للمرأة في المجتمع. اذ يساهم العمل في هذه المجالات في تقليص الصور النمطية المرتبطة بالجنس، ويعزز المساواة المهنية، حيث تصبح الكفاءة والالتزام المهني معيارا أساسيا، بغض النظر عن كون الوظيفة "رجالية" أو "نسائية". إضافة إلى ذلك، فإن مشاركة المرأة في هذه المهن تدعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتمنحها استقلالية مالية، وهو ما ينعكس إيجابا على وضعها الاجتماعي والعائلي".

وتضيف: "تشير الدراسات النفسية والاجتماعية إلى أن الانخراط في الوظائف غير التقليدية لا يقتصر على كونه حقا مهنيا، بل هو أداة تمكين وتميز شخصي. طالما التزمت المرأة بالقوانين والمعايير الأخلاقية والمهنية، فإن المجتمع سيستفيد من مشاركتها الفاعلة، وستثبت المرأة أن الإرادة والعمل الجاد قادران على تحدي القيود التقليدية وكسر الحواجز الاجتماعية، بما يعزز كرامتها ويعيد تعريف مكانتها في عالم العمل الحديث".

ندى عبد الرزاق- الديار

The post 300 سائقة و5000 مستخدمة: مشروع النقل الآمن للنساء يتوسّع في بيروت appeared first on أخبار الساعة من لبنان والعالم بشكل مباشر | Lebanonfiles | ليبانون فايلز.

للمزيد من التفاصيل: إضغط هنا