Skip to main content

برّي “كان يَعلم”: استقلاليّة القضاء “لايت”

17 أيلول 2025

عاد قانون تنظيم القضاء العدليّ مجدّداً إلى قاعة مجلس النوّاب. بالتأكيد، يصعب على النوّاب تجاوز الضجّة القانونية والقضائيّة التي رافقت إقراره، والقفز فوق بيان مجلس القضاء الأعلى، وملاحظات نادي القضاة المُفصّلة. يصدف أنّ الغالبيّة العظمى من هؤلاء النوّاب لم يعرفوا حقيقة على ماذا صوّتوا، والأدقّ “صوّتوا من دون أن يعلموا”!

لم تُسهِم المطوّلات الإنشائيّة التي ساقها وزير العدل عادل نصّار ورئيس لجنة الإدارة والعدل النائب جورج عدوان في الدفاع عن القانون و”حمايته القاضي من التدخّلات السياسية”، ولا أكثر من 70 جلسة عقدتها لجنة الإدارة، على مدى خمس سنوات، في منع رئيس الجمهورية في 5 أيلول الجاري من ردّ قانون تنظيم القضاء العدليّ الذي أقرّه البرلمان في 31 تمّوز الماضي.

استند رئيس الجمهورية إلى صلاحيّاته المنصوص عليها في المادّة 57 من الدستور، “وذلك بعدما تبيّن أنّه تشوبه أخطاء شكليّة ومادّية وجوهريّة ستجعله غير قابل للتطبيق في بعض من موادّه، إضافة إلى تخطّيه الأصول والركائز والمعايير الدوليّة”.

كان أشار موقع “أساس” إلى ردّ القانون في مقال نُشر في 23 آب الماضي، مع ذكر ملاحظات مجلس القضاء الأعلى ونادي القضاة عليه، والشوائب التي رافقت إقراره بمادّة وحيدة على طريقة “صُدّق”، من دون نقاش.

مهمّة صعبة

قانونيّاً، في حال أصرّ مجلس النوّاب على رأيه، يحتاج إلى أكثريّة موصوفة من أصل عدد مجلس النوّاب، لإعادة تأكيده، بينما في القوانين العاديّة (المادّة 34 من الدستور) يحتاج الإقرار إلى غالبيّة الحضور فقط.

استند رئيس الجمهورية إلى صلاحيّاته المنصوص عليها في المادّة 57 من الدستور وذلك بعدما تبيّن أنّه تشوبه أخطاء شكليّة ومادّية وجوهريّة
نصّت المادّة 57 على الآتي: “لرئيس الجمهورية، بعد اطّلاع مجلس الوزراء، حقّ طلب إعادة النظر في القانون مرّة واحدة ضمن المهلة المُحدّدة لإصداره، ولا يجوز أن يُرفض طلبه. وعندما يستعمل الرئيس حقّه هذا، يُصبِح في حِلّ من إصدار القانون إلى أن يوافق عليه المجلس بعد مناقشة أخرى في شأنه، وإقراره بالغالبيّة المطلقة من مجموع الأعضاء الذين يؤلّفون المجلس قانوناً”.

القضاء

بالتالي، لن تكون إعادة إقرار القانون، كما هو، بعدما ردّه رئيس الجمهورية، مهمّة سهلة أبداً على مجلس النوّاب، لا سيّما أنّ الشوائب التي اعترته كثيرة، وبعض الموادّ غير قابلة للتطبيق، وهو ما دفع مجلس القضاء الأعلى بعد إقراره إلى مخاطبة النوّاب علناً عبر بيان أكّد فيه أنّ القانون “تضمّن نصوصاً لا تتوافق مع ما هو مأمول ومطلوب بهدف ترسيخ الاستقلاليّة الفعليّة للسلطة القضائية، وتأمين حسن سَير العمل القضائي، لا سيما في ضوء ملاحظات مجلس القضاء الأعلى المتكرّرة بهذا الصدد”. وسيكون صعباً توفير الغالبيّة النيابيّة المطلقة.

برّي كان يعلم!

هكذا يُفترض أن “يستفيق” النوّاب بعد “الضَرب” الذي حصل من خلف ظهورهم. لكنّ الأهمّ من كلّ ذلك أنّ رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي، وفق معطيات “أساس”، كان يعلم بأنّ القانون سيُردّ حتماً، لأسباب عدّة منها بعض الأخطاء الجوهريّة التي اعترته، ولعدم مناقشته داخل الهيئة العامّة. لكنّه كان مصرّاً على إقرار القانون في هذا التوقيت السياسيّ لعلمه بأنّ العين الدوليّة “مفتّحة” على الإصلاح القضائيّ، والذي تزامن أيضاً مع إقرار قانون إعادة هيكلة المصارف.

في السياق نفسه، تؤكّد المعطيات أنّ التعديل الذي طالب به برّي لن يكون محطّ نقاش، وذلك بعد ضمّ رئيس معهد الدروس القضائية (عضو في مجلس القضاء الأعلى) إلى خانة الأعضاء الحكميّين في المجلس. والمتعارف عليه، وفق التوزيعات الطائفية في مجلس القضاء الأعلى، أنّ منصب رئيس معهد الدروس القضائية “مطوّب” لقاضٍ شيعيّ.

عاد قانون تنظيم القضاء العدليّ مجدّداً إلى قاعة مجلس النوّاب. بالتأكيد، يصعب على النوّاب تجاوز الضجّة القانونية والقضائيّة التي رافقت إقراره
صلاحيّات المدّعي العامّ

في المقابل، سيُعاد مجدّداً فتح باب النقاش في مادّة جوهريّة وَرَدت في القانون، وعرف بها معظم النوّاب بعد إقراره، وهي منح النائب العامّ التمييزي صلاحيّة “كفّ التعقّبات عن ملفّ قيد النظر، وتكون ملزِمة لجميع قضاة النيابة العامّة”.

وفق مصادر قضائية بارزة، “هذه صلاحيّة خطيرة وحسّاسة تطيح إلزاميّة ملاحقة الجرائم تحت شعار مكافحة الفساد. ولا يمكن التذرّع بأنّها تطبّق في دول متقدّمة كفرنسا، لأنّ هناك لها قيودها وشروطها، وتطبّق أصلاً في دولة قانون، وليس في “دولة كلّ من إيدو إلو كما في لبنان”.

لم يُعرف حتّى الآن هل يُناقش مجلس النوّاب القانون بنداً بنداً، كما كان يفترض أن يحصل سابقاً، لكنّ أحد أهمّ الاعتراضات القضائية يتجلّى كالآتي:

– تكريس التوزيع الطائفي للمناصب الأساسيّة. ناقض معدّو القانون أنفسهم حين كرّسوا التوزيع الطائفي لبعض المناصب المهمّة (المادّة 2 من القانون)، من دون ذكر ذلك حرفيّاً، ثمّ أشارت المادّة 84 منه إلى “حظر إجراء أيّ تمييز في التشكيلات القضائية، لا سيما التمييز على أساس العنصر أو الجنس أو الدين أو المذهب”.

– إبقاء صلاحيّة التعيين في مجلس القضاء الأعلى بيد السلطة التنفيذية (4 منتخبين 4 معيّنين، والثمانية ينتخبون عضوين في المجلس) (المادّة 2).

– عدم تكريس الاستقلالية الماليّة لسلك القضاء العدليّ بنصّ واضح في الموازنة (المادة 53).

– الآليّة المعقّدة للترشّح للمناصب القضائيّة.

– تدخُّل وزير العدل في التشكيلات والمناقلات القضائية، وفرض دعوته مجلس القضاء الأعلى إلى جلسة مشتركة بينهما خلال 15 يوماً للنظر في أيّ خلاف قد يحصل، وإذا استمرّ الخلاف يتّخذ المجلس قراره بأكثريّة سبعة أعضاء لإعادة تأكيدها. هذه الأكثريّة قد يكون صعباً تحقيقها، وهو ما يُعتبر تقييداً لقرارات المجلس (المادّة 76).

– ورود أخطاء تقنيّة وغير منطقيّة في القانون. مثال على ذلك، إقرار تعيين مدّعي عامّ التمييز ورئيس هيئة التفتيش القضائي ورئيس مجلس القضاء الأعلى ورئيس معهد الدروس القضائية لمدّة خمس سنوات غير قابلة للتجديد. في هذه الحال، إذا انتهت ولاية أيّ من هؤلاء القضاة قبل فترة طويلة من إحالته إلى التقاعد، فهل تطالهم التشكيلات القضائية في مراكز دنيا، أو يوضعون على الرفّ؟

The post برّي “كان يَعلم”: استقلاليّة القضاء “لايت” appeared first on أخبار الساعة من لبنان والعالم بشكل مباشر | Lebanonfiles | ليبانون فايلز.

للمزيد من التفاصيل: إضغط هنا