
في ظلّ الأزمة الاقتصادية والمالية العميقة التي يعيشها لبنان منذ أكثر من خمس سنوات، تتجه الأنظار مجدّداً نحو زيارة وفد صندوق النقد الدولي المرتقبة في 22 أيلول الجاري، والتي تأتي في توقيت دقيق يواكب جملة من التطورات الداخلية، أبرزها المساعي المتأخّرة التي تبذلها الحكومة ومجلس النواب لوضع البلاد على سكة الإصلاح المطلوبة للحصول على الدعم الدولي.
منذ بدء الأزمة في خريف عام 2019، لم يتمكّن لبنان من الوصول إلى اتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي، رغم توقيع اتفاق مبدئي في نيسان 2022، بسبب تعثّر تنفيذ الشروط المسبقة التي يطلبها الصندوق لضمان الشفافية واستعادة الثقة. وعلى مدى أكثر من ثلاث سنوات، بقيت التشريعات الضرورية عالقة في دهاليز السياسة، وسط انقسامات عميقة بين مختلف القوى بشأن المسؤولية عن الانهيار وآليات توزيع الخسائر.
ومع اقتراب موعد الزيارة الجديدة لوفد الصندوق، يرى مراقبون اقتصاديون أن لبنان حاول أخيراً إظهار بعض الجدّية في التقدّم على خط الإصلاح، حيث أقرّ مجلس النواب عدداً من القوانين التي تُعدّ مفصلية في خارطة الطريق المالية، من بينها تعديلات على قانون السرية المصرفية، وإقرار الموازنة العامة، ومناقشة قوانين الكابيتال كونترول وهيكلة المصارف، إلى جانب خطوات على صعيد إعادة هيكلة القطاع العام.
لكن رغم هذا الحراك، فإن التساؤلات تبقى مشروعة: هل ما تمّ إنجازه كافٍ لتغيير نظرة صندوق النقد إلى المشهد اللبناني؟ أم أن الإصلاحات ما تزال قاصرة عن تلبية الحد الأدنى من الشروط المطلوبة للولوج إلى برنامج إنقاذ شامل؟
في الواقع، يُجمع العديد من الخبراء على أن ما حصل حتى الآن لا يزال في إطار «الخطوات الجزئية»، التي لا تُشكّل نقلة نوعية في المسار الاقتصادي. فقانون «الكابيتال كونترول»، على سبيل المثال، ما زال محاطاً بتحفّظات واسعة لناحية فعاليته وحماية أموال المودعين، أما بالنسبة إلى إعادة هيكلة الدين العام وإصلاح القطاع العام المتضخم، فلم تشهد الملفات المعنية سوى مقترحات غير ملزمة أو دراسات نظرية لم تدخل حيّز التنفيذ. كذلك، لم تُحدّد الحكومة حتى اليوم استراتيجية واضحة لمعالجة الخسائر المالية التي تتجاوز 70 مليار دولار، ما يضعف الثقة الدولية بأي عملية تعافٍ شاملة.
وعلى الجانب الآخر، يراقب صندوق النقد عن كثب أيضاً أداء البنك المركزي، في ظلّ التغييرات التي طرأت على الحاكمية، لا سيما بعد استقالة رياض سلامة وتعيين بديل حاكم جديد وهنا، يبرز تحدّي إعادة تنظيم السياسات النقدية بطريقة تحقّق الاستقرار وتمنع المزيد من التدهور في سعر الصرف، دون اللجوء إلى حلول ترقيعية كالتي اتُبعت في السنوات الماضية.
فزيارة وفد الصندوق لن تكون فقط لتقييم الأوراق والبيانات، بل ستُشكّل مناسبة لاختبار مدى نضوج الإرادة السياسية اللبنانية في الالتزام بشروط واضحة وغير قابلة للتأجيل. فالصندوق لم يُخفِ يوماً امتعاضه من مماطلة المسؤولين اللبنانيين وتقديمهم اعتبارات المصالح الضيقة على متطلبات الإنقاذ الاقتصادي.
وفي حال كانت نتائج الزيارة إيجابية نسبياً، فقد يُعاد تحريك المفاوضات التقنية باتجاه تطوير الاتفاق المبدئي إلى اتفاق نهائي، يُمهّد الطريق أمام الحصول على تمويل خارجي ميسّر، ويفتح الباب أمام دعم إضافي من المؤسسات الدولية والدول المانحة. أما في حال لم يلمس الوفد أي تغيير جوهري في النهج المتّبع، فستكون الزيارة بمثابة فرصة ضائعة أخرى تُضاف إلى سجل طويل من الإخفاقات اللبنانية.
انطلاقا من هنا، فإن أي تأخيرا إضافيا في التوصّل إلى اتفاق مع صندوق النقد لا يعني فقط ضياع فرصة التمويل، بل أيضاً إقفال الباب أمام استعادة الثقة الدولية بلبنان كموقع استثماري ومالي في المنطقة، فالوقت لم يعد في صالح الطبقة السياسية، والأسواق لن تنتظر طويلاً. فإما أن تكون زيارة وفد الصندوق محطة تحوّل حقيقية، أو أن يسلك لبنان الطريق نحو تعمّق الانهيار... بلا عودة.
لا شك ان لبنان أمام مفترق حاسم. فإما أن يلتقط الفرصة النادرة ويُحدث خرقاً نوعياً في جدار الجمود الاقتصادي، أو أن يستمر في الدوران داخل حلقة مفرغة من الانهيار والتفكك المالي والاجتماعي. وما سيُبديه الوفد الزائر من ملاحظات وتوصيات، سيكون بمثابة تقرير تقييم أوّلي، قد يحدّد ملامح المرحلة المقبلة، لا بل مصير البلاد الاقتصادي لسنوات قادمة.
اللواء - حسين زلغوط
The post زيارة وفد صندوق النقد الدولي إلى بيروت... اختبار حاسم للإصلاحات اللبنانية appeared first on أخبار الساعة من لبنان والعالم بشكل مباشر | Lebanonfiles | ليبانون فايلز.
للمزيد من التفاصيل: إضغط هنا