خاص - شبكة قُدس: حذَّرت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" من أن عملياتها الحيوية قد تتعرض للشلل التام، مع اقتراب سريان قرار الاحتلال الاسرائيلي بحظر أنشطتها داخل الأراضي المحتلة، والمتوقَّع دخوله حيز التنفيذ في نهاية يناير/كانون الثاني للعام 2025.
في بيان مقتضب، أكدت الوكالة أن الوقت يوشك على النفاد، وأن القرار الإسرائيلي يهدِّد قدرتها على تقديم الخدمات الأساسية لملايين اللاجئين الفلسطينيين، مشيرةً إلى أن الأمم المتحدة لا تخطِّط لاستبدالها، مشدِّدة على ضرورة أن يتراجع الكنيست عن قراره.
يأتي هذا التحذير في سياق قانونين أقرهما كنسيت الاحتلال في أكتوبر/تشرين الأول للعام 2024: يحظر الأول عمل "أونروا" داخل الأراضي المحتلة، وينهي الثاني التعاملات الإسرائيلية كافة مع الوكالة، ما يُبطل جميع الاتفاقيات السابقة الموقَّعة بين الطرفين. وقد أثار هذان القانونان قلقًا دوليًّا واسعًا، فعبَّرت الأمم المتحدة عن انزعاجها الشديد من اعتماد هذه التشريعات، داعيةً دولة الاحتلال إلى احترام التزاماتها بموجب القانون الدولي والسماح للوكالة بالاستمرار في تقديم خدماتها.
إلى جانب هذا القلق الدولي، يكمن في الخلفية هدف استراتيجي لدولة الاحتلال مرتبط بتصفية حق أساسي ومحوري للشعب الفلسطيني، وهو حق العودة، إذ تُعّدُّ "أونروا" شاهدًا دوليًّا قائمًا على هذا الحق، وتمثل الوكالة الأممية ضمانة قانونية وإنسانية لحق ملايين اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى أراضيهم التي هُجِّروا منها قسرًا.
"أونروا" بصفتها شاهدًا على النكبة
تأسست وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" في العام 1949، استجابةً للنكبة الفلسطينية التي وقعت في العام 1948، ونتج عنها تهجير ما يزيد على 750 ألف فلسطيني من أراضيهم ومنازلهم. أُنشئت الوكالة بموجب القرار رقم 302 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، بصفتها أداة إنسانية مؤقتة للتعامل مع الوضع الكارثي للاجئين الفلسطينيين، إلى حين الوصول إلى حل سياسي عادل ودائم يضمن عودتهم إلى ديارهم.
تغطي "أونروا" مناطق عمليات رئيسية تشمل الضفة الغربية، وقطاع غزة، والأردن، ولبنان، وسوريا، حيث يعيش ملايين اللاجئين الفلسطينيين، وتقدم خدمات تشمل قطاعات التعليم، حيث تُدير شبكة واسعة من المدارس التي تُقدم التعليم الأساسي، والرعاية الصحية الأولية من خلال العيادات والمراكز الصحية، إضافة إلى تقديم المساعدات الغذائية والمالية للفئات الأكثر احتياجًا. كما تعمل الأونروا في مجال تحسين البنية التحتية للمخيمات وتوفير فرص التدريب المهني، مع التركيز على تعزيز الاكتفاء الذاتي للاجئين ضمن حدود تفويضها.
وفق التعريف العملياتي للوكالة الأممية، لاجئو فلسطين الأشخاص الذين كانت فلسطين مكان إقامتهم الطبيعي في خلال الفترة الواقعة بين يونيو/حزيران 1946 ومايو/أيار 1948، والذين فقدوا منازلهم ومصادر رزقهم نتيجة حرب العام 1948. يشمل هذا التعريف أيضًا أبناء اللاجئين الأصليين وأحفادهم، ليصل عدد اللاجئين المسجلين حاليًّا لدى الوكالة إلى نحو 5.9 مليون لاجئ يحق لهم الحصول على خدماتها.
ما يميز "أونروا" عن غيرها من الوكالات الأممية مضمونها السياسي، إذ إنها الوكالة الوحيدة التي تقدم الدعم لفئة محددة من اللاجئين، بذلك أصبحت شاهدًا حيًّا على محنة اللاجئين الفلسطينيين وعنوانًا للالتزام الدولي بمعالجة قضيتهم.
يُعَدُّ وجود "أونروا" تمثيلًا دوليًّا لحقوق اللاجئين الفلسطينيين، خصوصًا تطبيق القرار رقم 194 الذي ينص على حقهم في العودة إلى ديارهم أو تعويضهم إذا تعذرت العودة. كما أن استمرار عمل الوكالة يُشكِّل تذكيرًا دائمًا للمجتمع الدولي بمسؤولياته تجاه اللاجئين الفلسطينيين وضمانة لعدم نسيان قضية حق العودة، التي تُعَدُّ من الركائز الأساسية للقضية الفلسطينية.
على الرغم من الأهمية الكبيرة التي اكتسبتها "أونروا" على مدى العقود، ظل وضعها القانوني مؤقتًا، إذ يُجدَّد تفويضها دوريًّا لفترات تمتد من ثلاث إلى خمس سنوات. يعكس هذا الوضع المؤقت التحدياتِ السياسيةَ والماليةَ التي تواجهها الوكالة، لكنه يعبِّر أيضًا عن الإصرار الدولي على الإبقاء عليها بوصفها رمزًا لحماية حقوق اللاجئين الفلسطينيين.
تمويل "أونروا" والابتزاز السياسي
تعتمد وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين على التبرعات الطوعية من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، ما يجعلها عرضة للتقلبات السياسية والاقتصادية الدولية، ويُضعف قدرتها على التخطيط طويل الأجل.
يُعقّد هذا الوضع عملَها، ويضعها أمام تحديات متشابكة، خاصةً في ظل الضغوط التي تمارسها الدول المانحة والقوى السياسية، إذ تتأثر "أونروا" بدرجة كبيرة بالسياسات التي ينتهجها المانحون الدوليون، خاصةً القوى الغربية التي تربط تمويلها باستقرار المنطقة بما يخدم مصالحها الجيوسياسية.
في الوقت ذاته، تعتمد البلدان المضيفة على برامج الوكالة لتخفيف الضغط الاقتصادي الناتج عن أزمة اللاجئين، بينما يرى اللاجئون في بطاقة "لاجئ فلسطيني" الصادرة عن الوكالة رمزًا قانونيًّا يحفظ حقهم في العودة والتعويض، ما يجعل قراراتها محل تأييد أو معارضة بناءً على تأثيرها على هذه الحقوق.
تعرضت "أونروا" في خلال السنوات الأخيرة لضغوط سياسية وابتزاز من بعض الدول المانحة، إذ تُوظَّف تلك الدول المساعداتِ لتكون ورقة ضغط لتحقيق أهداف سياسية، وقد شهدت الوكالة اتهامات إسرائيلية تصاعدت تصاعدًا كبيرًا بعد عملية "طوفان الأقصى" في أكتوبر/تشرين الأول 2023، زاعمةً تورط موظفي الوكالة في الهجوم.
ومع ذلك، فإن التقليصات على تمويل "أونروا" لم تكن جديدة، بل بدأت قبل أكثر من عقد، إذ شهدت السنوات العشر السابقة لتلك الأحداث تراجعًا حادًّا في التمويل الدولي للوكالة الأممية بسبب عوامل متعددة، من بينها زيادة أعداد اللاجئين الفلسطينيين وتوسع احتياجاتهم، فضلاً عن الأزمات الجديدة للاجئين غير الفلسطينيين، مثل العراقيين والسوريين، التي أعادت توجيه اهتمام المجتمع الدولي بعيدًا عن القضية الفلسطينية.
تمثَّل أحد أكبر الاشتراطات في السنوات الأخيرة بضغوط الاتحاد الأوروبي من أجل تغيير مناهج التعليم في المدارس الفلسطينية، بما فيها مدارس وكالة الغوث وربط تمويلها بإجراء التعديلات المطلوبة، ويحصل هذا الضغط باستمرار ووضوح منذ العام 2017 على الأقل.
في ظل هذه التحديات، أطلقت "أونروا" في بداية العام 2023 نداءً لجمع 1.6 مليار دولار أميركي لدعم برامجها الأساسية والطوارئ في مناطق عملياتها الخمس، مطالِبةً بتخصيص 848 مليون دولار للخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم، و781.6 مليون دولار لتمويل عمليات الطوارئ في غزة والضفة الغربية والأردن وسوريا ولبنان. وأوضح المفوض العام للوكالة، فيليب لازاريني، أن هذا المبلغ ضروري للاستجابة للاحتياجات المتزايدة.
تصعيد الهجوم الإسرائيلي على "أونروا" في خلال الحرب على غزة
في 26 كانون الثاني/يناير 2024، زعم الاحتلال تورط 12 موظفًا من موظفي "أونروا" في الهجوم الذي وقع في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 على مستوطنات "غلاف غزة". كما ادعى أن نحو 10% من موظفي الوكالة في قطاع غزة، أي نحو 1200 شخص، مرتبطون بحركتَي حماس أو الجهاد الإسلامي.
وعلى الرغم من غياب الأدلة، قرر المفوض العام للوكالة الأممية إنهاء مهام هؤلاء الموظفين "حرصًا على مصلحة الوكالة". استجابةً لهذه الاتهامات، فتح مكتب خدمات الرقابة الداخلية في الأمم المتحدة تحقيقًا شاملًا، وشكَّل الأمين العام للأمم المتحدة لجنة مستقلة برئاسة وزيرة خارجية فرنسا السابقة، كاترين كولونا. صدر تقرير اللجنة في 22 نيسان/أبريل 2024، ولم يكشف عن أي "خلل وظيفي كبير داخل المنظمة"، على الرغم من الإشارة إلى بعض التحديات المرتبطة بـ"حياديتها". وأكد التقرير أن سلطات الاحتلال الاسرائيلي لم تقدِّم أدلة تدعم اتهاماتها الرئيسية.
وفي تعليقها على التقرير، أوضحت صحيفة "لوموند" الباريسية في افتتاحية بتاريخ 27 نيسان/أبريل 2024 أن هجوم الاحتلال الإسرائيلي على "أونروا" يعكس رغبة في تقويض وجودها، مشيرة إلى استئناف ألمانيا ودول أخرى تقديم مساعداتها للوكالة بعد تعليقها مؤقتًا. وخلصت الصحيفة إلى أنه "لا يمكن استبدال وكالة الغوث ولا الاستغناء عنها"، خاصةً في ظل الأزمة الإنسانية المتفاقمة في غزة.
ردًّا على الاتهامات الإسرائيلية، أصدرت "أونروا" وثيقة توضيحية بعنوان "حقائق في مواجهة المعلومات المضللة" في 29 شباط/فبراير 2024، أكدت أن الوكالة تخضع جميع موظفيها لفحوصات مرجعية، وتطلع السلطات المعنية، بما في ذلك "إسرائيل"، على قوائم بأسماء الموظفين. كما أشارت إلى أن الوكالة تدين انتهاكات حياديتها من أي طرف، وتلتزم باستخدام الكتب المدرسية للحكومات المضيفة وفق معايير الأمم المتحدة، مع مراجعتها لضمان خلوها من التحريض على العنف أو التمييز.
تصاعد الاستهداف الإسرائيلي للوكالة الأممية في خلال حرب الإبادة المستمرة ضد قطاع غزة، إذ وثَّقت الوكالة مقتل 192 موظفًا في غزة، وتدمير أو تضرر أكثر من 170 مرفقًا تابعًا لها، بما في ذلك المدارس التي كانت تأوي نازحين، إذ قُتل فيها 450 شخصًا. واتهم المفوض العام لـ"أونروا"، في مقال نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" بتاريخ 30 أيار/مايو 2024، "إسرائيلَ" بشن "حملة ممنهجة لنزع الشرعية عن "أونروا""، مشيرًا إلى تعرض موظفيها للاعتقال وسوء المعاملة، بالإضافة إلى تدمير المرافق الحيوية.
دعا لازاريني المجتمع الدولي إلى التدخل الحازم لحماية الوكالة من الهجمات الإسرائيلية غير القانونية، محذرًا من تداعيات هذه الهجمات على مستقبل اللاجئين الفلسطينيين وعلى جهود الأمم المتحدة عالميًّا.
تصاعد الشراكة الأمريكية في الهجمة على "أونروا"
منذ أواخر العام 2015، أطلق الاحتلال الاسرائيلي بالتنسيق مع الولايات المتحدة حملات شرسة في الأمم المتحدة ضد وكالة الغوث، واستهدفت هذه الحملات تقويض مبررات وجود الوكالة سياسيًّا وأخلاقيًّا، مع التركيز على مزاعم بأنها تشكِّل "عقبة أمام السلام" وتساهم في "إدامة الصراع العربي - الإسرائيلي" من خلال عدم إعادة توطين اللاجئين الفلسطينيين. كما وصفت الحملةُ مناهج التعليم التي تعتمدها "أونروا" بأنها "تعمل على شيطنة إسرائيل".
تصاعدت الحملة مع إعلان الرئيس الأمريكي آنذاك، دونالد ترامب، نيته نقل السفارة الأميركية من "تل أبيب" إلى القدس، وبلغت ذروتها بعد قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة المناهض لإعلان ترامب حول القدس، وفي يناير/كانون الثاني 2018، أعلن ترامب تعليق دعم "أونروا"، قائلاً: "ندفع سنويًّا للفلسطينيين مئات الملايين من الدولارات، ولا نحصل في المقابل على أي تقدير".
لم تتوقف الهجمات عند التشكيك في مبرر وجود الوكالة، بل تدخلت الولايات المتحدة في شؤونها الداخلية، مطالبة بإصلاحات تهدف إلى التحكم في دورها، مثل إزالة اللاجئين الذين يحملون جنسية البلد المضيف من قوائمها، ومراجعة المناهج الدراسية لضمان "خلوها من التحريض"، وفرض قيود على تقديم المساعدات الإنسانية.
شهد عهد ترامب ذروة تراجع الدعم الأمريكي لـ"أونروا". في العام 2018، أوقفت الإدارة الأميركية دعم الميزانية العامة لها، بالإضافة إلى حجب 25 مليون دولار كانت مخصصة للمستشفيات الفلسطينية في القدس، ووقف جميع المساعدات الاقتصادية المقدمة إلى الضفة الغربية وقطاع غزة في 2019، في خطوات ترافقت مع الطرح الأكثر خطورة ضمن "صفقة القرن"، التي سعت إلى توطين اللاجئين الفلسطينيين في الدول المضيفة بدلاً من دعم حقهم في العودة.
مع وصول جو بايدن إلى الرئاسة، أبدت إدارته نية استئناف دعم "أونروا"، إذ أعلنت في العام 2021 تخصيص 150 مليون دولار للوكالة. على الرغم من ذلك، اشترطت الإدارة الأمريكية تنفيذ إصلاحات ضمن إطار عمل جديد شمل مراقبة مالية وأمنية ربع سنوية، واستثناء بعض اللاجئين من الدعم المقدم تحت ذرائع أمنية وسياسية.
على الرغم من الترحيب الفلسطيني بعودة التمويل، قوبلت الاشتراطات بالرفض، وعُدَّت تدخلًا في تفويض الوكالة ومهامها. وأكد مسؤولون فلسطينيون أن هذه الشروط تمثِّل انتهاكًا لقرار تأسيس "أونروا" رقم 302، وتقوِّض حيادية الوكالة واستقلاليتها.
وفي مشهد قديم يتجدد، أعلنت الولايات المتحدة في 27 يناير/كانون الثاني 2024 تعليق دعمها المالي للوكالة، أتبعه تصريحات وزارة الخارجية الأمريكية في مارس/آذار 2024 حول استكشاف وكالات بديلة لتقديم المساعدات تُشير بوضوح إلى نية واشنطن التخلص من "أونروا" تدريجيًّا، واستبدالها بجهات أمريكية تسعى إلى إعادة تعريف دور اللاجئين الفلسطينيين بما ينسجم مع الأجندة الإسرائيلية.
تستغل حكومة الاحتلال تغيُّر الإدارات الأميركية لصالحها، مستفيدةً من عودة ترامب المنتظَرة إلى البيت الأبيض لزيادة الضغط على "أونروا"، ما يجعل مستقبل الوكالة يواجه تهديدات غير مسبوقة، وسط غياب أي دعم دولي حقيقي لمواجهة هذه الهجمة الممنهجة.
إشكاليات في أداء الأونروا وانحيازاتها
لا يمكن الإغفال بأن القرار الدولي بإنشاء الأونروا كان نابعًا من فكرة تطويع اللاجئين الفلسطينيين وتسهيل إدماجهم في البلدان المضيفة، خصوصًا من خلال مهمتها الأساسية المتمثلة بوضع حدّ للتبعية المادية للاجئين عبر إدماجهم كلياً في اقتصاد البلد المضيف، لا سيما من خلال مشاركتهم في مشاريع أعمال البنى التحتية. إلا أن تمسّك اللاجئين بحق العودة قد أفشل هذه المهمة، ما دفع الأونروا لإدخال تعديلات على هذه المهمة لتصبح أواخر الخمسينات أكثر توجّهًا نحو الإدماج الفردي، عبر التعليم الأساسي والتدريب المهني، وهو ما انسجم جزئيًا مع رؤى ممثلي اللاجئين الفلسطينيين.
على مر العقود، رضخت الأونروا في العديد من المحطات لاشتراطات الممولين، خاصة فيما يتعلق بوضع قيود صارمة على العمل النقابي للعاملين، ومنع ارتباط أي من موظفيها بأي من القوى السياسية الفلسطينية. كما مارست الأونروا أشكالًا من التحقق الأمني في خلفيات العاملين، بالتعاون غير المعلن مع الأجهزة الأمنية الأمريكية، وأحيانًا مع الاحتلال الإسرائيلي. هذا التوجّه امتد ليشمل قبول الأونروا قيودًا صارمة على محتوى المناهج الدراسية، إذ تم حذف أو تعديل العديد من الملامح الرمزية الأساسية للقضية الفلسطينية، مثل صور خارطة فلسطين التاريخية وأشكال التعبير عن الانتماء الوطني في الأنشطة اللامنهجية للطلاب. كما خضعت بعض المواد والنصوص لتنقيح مستمر، ووُضعت قيود مشددة على المعلمين في تقديم المحتوى التعليمي المرتبط بالقضية الفلسطينية ونكبة الشعب الفلسطيني.
مع اندلاع حرب الإبادة بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، برزت علامات استفهام حول دور الأونروا في تسهيل عملية النزوح من شمال القطاع إلى جنوبه. رفعت الأونروا مسؤوليتها عن مواقع النازحين وأعلنت ذلك، كما نقلت موظفيها ومركز عملياتها إلى جنوب القطاع، في انسجام واضح مع الأهداف العملياتية للاحتلال التي تسعى إلى تهجير سكان شمال قطاع غزة قسرًا، وربما الدفع نحو تهجيرهم من كامل أراضي القطاع.
إلى جانب ذلك، تُثار العديد من الملاحظات بشأن أداء الأونروا في مجالات عدة، حيث يبدو التزامها بقيود الممولين أولوية، ما أدى إلى انسجام سياساتها مع توجهات تمس بالحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني وتتماشى مع خطط عدائية تسعى لتصفية قضيته.
مراكمة خطوات التصفية
تشكِّل القوانين الجديدة التي أقرَّها الكنيست الإسرائيلي، والموجَّهة ضد وكالة الغوث، تهديدًا وجوديًّا لدور الوكالة ومستقبل اللاجئين الفلسطينيين، وهي قوانين تسعى إلى نزع الشرعية عن عمل "أونروا" وتقويض مكانتها الدولية عبر استهدافها بطرق متعددة.
أولًا، تفرِض هذه القوانين قيودًا صارمة على أنشطة الوكالة في المناطق التي تسيطر سلطات الاحتلال عليها، خاصةً في القدس والضفة الغربية، من خلال منعها من إدارة المدارس والمراكز الصحية والخدمات الاجتماعية، بذريعة أن أنشطتها "تحرض على الإرهاب" أو أنها "غير محايدة". ثانيًا، يسعى الاحتلال إلى إعادة تعريف اللاجئ الفلسطيني من خلال هذه القوانين، عبر تقييد الاعتراف بحق اللجوء ليشمل فقط الجيل الأول من اللاجئين الذين هُجِّروا في العام 1948، ما يُخرج ملايين اللاجئين وأحفادهم من الإطار القانوني الذي تعترف به الأمم المتحدة، وبالتالي يهدِّد حق العودة والتعويض الذي يُعَدُّ جوهر القضية الفلسطينية.
لا تعرِّض هذه السياساتُ الوكالةَ الأمميةَ وحدها للخطر، بل إنها تمس مباشرةً حقوق ملايين اللاجئين الفلسطينيين الذين يعتمدون على خدماتها الأساسية، مثل التعليم والرعاية الصحية والمساعدات الغذائية. كما تهدف هذه القوانين في جوهرها إلى إضعاف الزخم السياسي للقضية الفلسطينية على المستوى الدولي، وتحويل الأنظار عن مسؤولية إسرائيل القانونية والأخلاقية تجاه اللاجئين الذين هجَّرتهم من أراضيهم. كما وتنسجم مع مراكمة حكومة الاحتلال لخطوات تصفية القضية الفلسطينية "وحسم الصراع" مع الشعب الفلسطيني.
للمزيد من التفاصيل: إضغط هنا